سليمان جودة
بيننا وبين إيطاليا ثلاث ساعات بالطائرة.. هى تقع شمال البحر المتوسط، على هيئة يد ممدودة فوق سطح البحر، ونحن نقع فى جنوبه فى المقابل.. هى عضو فى «الاتحاد من أجل المتوسط»، ونحن عضو فيه، ولسنا عضواً عادياً، بل نحن عضو مؤسس مع فرنسا.. ثم هى بلد ممتلئ بالفن المعروض فى كل ميدان، وفى كل شارع، ونحن بلد ممتلئ بالآثار التى لا نعرضها فى الميادين، ولا فى الشوارع، وإنما نغلق عليها الأبواب فى المخازن!
مثل هذه المعانى راحت تتوارد فى عقلى حين كنت أقارن بيننا وبين الإيطاليين، الذين يبلغ تعدادهم 60 مليوناً، ويزورهم 48 مليون سائح فى كل عام، ويصل عائد هذا الرقم فى الخزانة الإيطالية إلى نحو مائة مليار يورو فى كل سنة.
والسؤال هو: لماذا يتواضع نصيبنا من صناعة السياحة نفسها، حتى يصل بالكاد إلى عشرة ملايين سائح، مع أن عندنا من الشواطئ والمواقع الأثرية والمزارات المختلفة ما يجعل هذا الرقم مضروباً فى ثلاثة على الأقل؟!
لماذا لا نحصل إلا على ثلث ما يجب أن نحصل عليه فى سوق السياحة العالمية، التى تحولت مع الوقت إلى صناعة لها قواعد وأصول؟!
عندما كنت فى طريقى إلى روما، آخر الأسبوع الماضى، قرأت أشياء هنا، وأخرى هناك، عن السياحة عندهم، وعن سبب وصول عدد سياحهم إلى هذا الرقم الذى يوازى ثلثى عدد السكان تقريباً، ومما قرأته، واستوقفنى مثلاً، أنهم منذ وقت مبكر قد أخضعوا عقلية السائح عالمياً لدراسة وافية، وأنهم أرادوا منذ وقت مبكر أيضاً أن يعرفوا على وجه التحديد ماذا يريد السائح، إذا غادر بلده إليهم، وماذا لا يريد، ثم ماذا يريد السائح العربى، وفى منطقة الخليج تحديداً، إذا قرر أن يزور بلداً أوروبياً، وماذا كذلك لا يريد.
ولأن الأشياء البسيطة لا يجوز الاستهانة بها، ولا تجاهلها، فإنهم اكتشفوا وهم يدرسون عقلية السائح الخليجى، على سبيل المثال، أنه يفضل أن ينزل فى فندق تكون بوصلة اتجاه القبلة موجودة فى كل غرفة من غرفاته، ففعلوها، وفى اللحظة التى فعلوها فيها، ووضعوا بوصلة الصلاة فى كل غرفة، فإنهم فى ظنى كانوا يمارسون نوعاً من الإغراء غير المباشر لمثل هذه النوعية من السائحين، وكانوا يخاطبونه بما يريد ويحب، وكانوا يفعلون ذلك كله وهم على يقين من أنه لا شىء يأتى من فراغ، وأن السياحة لن تنتعش عندهم لمجرد أنهم يريدونها منتعشة، وإنما لأنهم «يعملون» بجد من أجل أن تكون هكذا.
ولم تكن صدفة أن متاحفهم هى المتاحف العالمية الوحيدة التى نكَّست أعلامها، يوم أن قتل تنظيم «داعش» الإرهابى خبير الآثار السورى خالد الأسعد، وفصل جسده عن رأسه، ثم علق الجسد على عمود كهرباء فى مدينة تدمر السورية، منتصف الشهر الماضى!
لم تكن صدفة، لأن علينا أن نتعلم من الدنيا حولنا، وإيطاليا فى المقدمة من هذه الدنيا، أن السياحة صناعة متكاملة الأركان، وأن ركناً منها إذا تداعى، أو سقط، فإن سائر الأركان لا تقوم.