سليمان جودة
ليست المرة الأولى التى يتم فيها اختطاف أقباط فى ليبيا، فالباحث مينا ثابت يقول إنه إذا كان قد جرى اختطاف 13 قبطياً فى مدينة سرت الليبية، قبل يومين، فإن عدد المختطفين إجمالاً، من الأقباط تحديداً، قد وصل إلى 24، منذ بدأت هذه الحكاية فى أغسطس الماضى.
وسوف يلفت انتباهك فيما يجرى من جهود لإطلاق سراح الـ13 شخصاً، أن الجهود كلها تجرى مع قبائل هناك، فلا هى مع وزارة خارجية مثلاً، ولا هى مع حكومة، رغم وجود حكومة برئاسة عبدالله الثنى، ولا هى حتى مع دولة.. ثم يلفت انتباهك كذلك أن سفير مصر فى ليبيا يمارس عمله من القاهرة!
ولابد أنك سوف تسأل نفسك عن السبب وراء التركيز على استهداف الأقباط دون غيرهم فى الشهور الأخيرة؟!.. هل يحدث هذا لأنهم أقباط وفقط، أى لسبب دينى مجرد، أم أنه يحدث لأسباب أخرى؟!
طبعاً.. الاستهداف جرى فى حق جميع المصريين على الأرض الليبية دون تمييز، فى مرحلة ما بعد القذافى، غير أن تكرار اختطاف أقباط دون غيرهم، ولأكثر من مرة، لابد أن يجعلنا نفتش عن المبرر.. وأكاد أقول إنه مبرر مادى خالص، بمعنى أن الخاطفين قد يعتقدون أن الأقباط عموماً، من بين القادرين فى مصر، وأنهم بالتالى سوف يسددون أى فدية، مطلوبة، وإذا لم يسددوا، كأفراد وعائلات، ففى إمكان الكنيسة أن تسدد عنهم!
هذه مسألة أظن أنها موجودة عموماً فى أذهان الخاطفين، ولكنهم يجب أن ينتبهوا إلى أن المختطفين إنما هم عمال بسطاء، وأنهم لو كانوا من بين القادرين أو الأثرياء حقاً، ما كانوا قد غادروا بلدهم أصلاً، بحثاً عن جنيهات معدودة، وأن الكنيسة قادرة، من خلال الدولة المصرية، على أن تعيد أبناءها، دون دفع مليم لأى مبتز هناك، ودون أن تسمح لأحد بأن يستدرجها فى هذا الطريق.
ولابد أنه من الصعب أن نتصور أن ما نشهده فى ليبيا، فيما بعد سقوط العقيد، خصوصاً، وسقوط الإخوان فى مصر، وفى المنطقة عموماً، مسألة وليدة الصدفة.. فهناك أطراف إقليمية، وأخرى دولية، تغذى نار الفوضى لدى الليبيين، وتشعلها فى كل يوم، وهى قادرة على إطفائها لو أرادت، لولا أنها، أى تلك الأطراف على اختلافها، تتوهم أن ليبيا يمكن أن تكون ورقة للضغط على دول فى المنطقة، ومن بينها، بل فى مقدمتها مصر!.. وأتخيل أن القاهرة، فى لحظتنا هذه، منتبهة إلى هذا كله جيداً، وبكل وعيها السياسى وغير السياسى.
وإذا كانت الخارجية المصرية قد دعت المصريين إلى عدم التوجه حالياً إلى ليبيا، تحت أى ظرف، فهى محنة بلا حدود لمصريين بمئات الألوف، كانوا يجدون باباً للرزق فى هذا الاتجاه، وعندما يتراجع سعر برميل البترول من 110 دولارات إلى 60 دولاراً، فالمؤكد أن حظ العامل المصرى فى الخليج لن يكون أسعد حالاً عن حظ مثيله فى ليبيا!
وكأن الطبيعة تعاقبنا مرتين: مرة حين ظهر البترول فى ليبيا، ثم يتعدانا، ويظهر فى السعودية، ومرة عندما ينزل سعره إلى هذا الحد شرقاً، وعندما تنشأ الفوضى إلى هذا الحد أيضاً، على حدودنا فى الغرب.. فلله الأمر كله.
ولكن هذا لا يمنع من أن نقول إن عندنا فى المقابل نهراً من البترول يجرى، اسمه نهر النيل، وهو لايزال فى حاجة إلى حكومة تدرك قيمته، وقيمة ما يتدفق بين شاطئيه، ثم تحول هذه القيمة إلى فلوس كثيرة فى أيدى الناس!.. وتغنيهم عن إهدار كرامتهم شرقاً أو غرباً!
ما أغنى هذا البلد حين يتولاه رجال يعرفون كيف يديرون موارده.. وما أتعسه حين يقوم على أرضه العكس!