دعا الأمير طلال بن عبدالعزيز إلى حلقة نقاش مستديرة، فى مقر المجلس العربى للطفولة والتنمية بالقاهرة، وكان السؤال المطروح فيها على النحو التالى: ماذا عن تنظيم داعش؟!.. هل هو تنظيم أصيل نبت من أرضنا، أم أنه شىء وافد علينا، وكيف يمكن أن نقاومه إلى أن نقضى عليه؟!
فى اليوم نفسه، أقصد أمس الأول، الأحد، كان الدكتور ناجح إبراهيم قد قال فى «المصرى اليوم» إن أفراداً داعشيين انضموا إلى «بيت المقدس» فى سيناء، وإنهم يأتون إلى البلاد كأشخاص عاديين، ثم يتواصلون بعد ذلك مع أعضاء الجماعات التكفيرية فى سيناء!
وفى اللقاء الذى دعفا إليه الأمير، قيل كلام كثير عن الظاهرة الداعشية عموماً، ثم عن جذورها، وكانت أسماء كبيرة، وكثيرة، حاضرة، وقالت كلاماً مهماً، وأظن أن على الأجهزة المعنية فى الدولة أن تطلبه، وأن تستفيد منه فى معركتها، ومعركتنا ضد الإرهاب.
اللواء الدكتور محمود خلف، كان أحد المتحدثين، فقال إن داعش تمثل لغزاً، وإن الذين صنعوا هذا اللغز، وصدروه لنا، هم الذين سوف يكون عليهم أن يفككوه، ويكشفوه، ولكنه كتنظيم يملأ الدنيا، ويشغل الناس، هذه الأيام، يظل مجرد تفصيلة فى مشهد عام فى المنطقة، حافل بما يتعين علينا أن نهتم به، وأن نعالجه، لا لشىء، إلا لأن داعش كظاهرة يبقى لها ما ورائها، من جانب الذين صنعوها فى الأساس.
ولكن فكرة أخرى مهمة للغاية أطلقها الدكتور خلف فى حلقة النقاش، وتمنى لو أننا نترجمها إلى واقع على الأرض، اليوم، لا غداً، لأنها هى التى يمكن أن تجعل منطقتنا رقماً صحيحاً فى العالم من حولها، بدلاً من أن تكون أقل من رقم، فلا يلتفت إليها العالم كمنطقة، ويهرول الأمريكان ـ مثلاً ـ إلى الشرق الأقصى، حيث الصين، وحيث الهند، تاركين شرقنا الأوسط وراءهم بهمومه، ومشاكله، وبلاياه!
الفكرة تقول بأنه لابد من تعاون أمنى إقليمى فى المنطقة، بحيث يكون تعاوناً عربياً أفريقياً، فلا يكون عالمياً فى سقفه، ولا يكون عربياً فى حدوده، وإنما هو بين بين، وليكن فى صورة منظمة للتعاون والأمن العربى الأفريقى، لا تتجاوز جامعة الدول العربية، ككيان يجب أن نحرص عليه، بقدر ما تسد فراغاً ليست الجامعة قادرة، بحكم ميثاقها، على أن تسده أو تملأه.
فى بدء حلقة النقاش، كان الأمير طلال، قد أخذ على الدول العربية، أن كل واحدة منها، تغنى على ليلاها، وأن هذا خطأ كبير لابد من أن نتداركه سريعاً، وأن الأصح هو أن تكون لنا جميعاً، كدول عربية، «ليلى واحدة» نغنى لها، إذا جاز التعبير، ونعمل من أجلها معاً.
وبشكل ما، جاءت فكرة الدكتور خلف لتكمّل فكرة الأمير، ولتدعو إلى أن تتولى الدولة المصرية، فى أعلى مستوياتها، الدعوة إلى إنشاء منظمة للأمن والتعاون العربى الأفريقى، لأن منظمة كهذه، ربما تكون هى السبيل الوحيد لأن ينظر إلينا العالم المعاصر، على أننا نشكل رقماً صحيحاً، فى المعادلة الدولية، وأن عليه أن يتعامل معنا، على هذه الأرضية، وليس على أساس أننا دول فرادى.
الغريب، أن هناك منظمة أوروبية، بهذا المسمى نفسه، وأننا كدول عربية نتمتع بالعضوية فيها، ولكنها، ولأنها منظمة أوروبية فى الأصل، فإنها تعمل هناك، على أرضها، ومن أجل دولها وحدها، وليس مطلوباً منا إلا أن تكون لنا منظمتنا العربية الأفريقية التى تخصنا وتتعاون فى الأمن، بمعناه الذى يواجه الأخطار الإقليمية، وليس بالمعنى المخابراتى طبعاً!
وإذا كان لحلقة النقاش هذه من فائدة محددة، فهى أنها كانت منصة لإطلاق هذه الفكرة الحيوية، وهى فكرة أدعو إليها، اليوم، وأضعها أمام الذين يعنيهم أمر أمننا القومى، بمعناه العام، والواسع، فى المنطقة بأسرها، كما أدعو صاحبها الدكتور خلف إلى أن يظل يلح عليها، ويشرحها، ويقدمها، حتى تجد من يتبناها ويخرجها إلى النور فى كيان حى.
من جانبى، كان لى كلام فى اللقاء، عن علاقة «داعش» بالأمريكان مرة، وبالإخوان مرات، وهو ما سوف أعود إليه بإذن الله، لعلنا جميعاً ننتبه إلى موقع «الأصل» بيننا، إذا كان الداعشيون هم «الفرع».