سليمان جودة
قبل أسبوع بالضبط، كنت أناقش صديقاً سعودياً في المغرب، حول مدى تأثير الدور السعودى، عالمياً وإقليمياً، لصالح مصر، فيما بعد ثورة 30 يونيو.
وما إن سمع الصديق عبارة «الدور السعودى» في كلامى، حتى استوقفنى ليقول: لا.. لا تقل الدور السعودى هكذا، على إطلاقه، ولكن قل: دور الملك عبدالله!
كنا نقطع معاً الطريق من الرباط إلى الدار البيضاء، ولم أكن أعرف أن عبارته تلك سوف ترن في أذنى بعدها بأسبوع بالتمام، حين سمعت صباح الجمعة خبر وفاة الملك عبدالله!
أغرانى تعليق الصديق بأن أعيد التفكير في الموضوع، وأن أكتشف أن القول من جانبه بأن ما حدث من ناحية الرياض تجاه القاهرة، فيما بعد الثورة، كان بالأساس دوراً للملك عبدالله، لا يقلل بالطبع من دور المملكة كمملكة، ولا من دور السعودية كدولة، بوجه عام.
فالصحيح أن الملك المؤسس عبدالعزيز كان قد أوصى أبناءه جميعاً، بدءاً من الملك سعود، الذي تولى الحكم بعد أبيه مباشرة، ومروراً بالملوك الأبناء فيصل، وخالد، وفهد، وعبدالله، ثم انتهاء بولى العهد سلمان، الذي صار ملكاً منذ الأمس، ووصولاً إلى الأمير مقرن، الذي كان ولياً لولى العهد، ثم أصبح، منذ الأمس أيضاً، ولياً لعهد أخيه، الملك الجديد سلمان.
الصحيح أن أباهم الملك المؤسس عبدالعزيز قد أوصاهم بمصر خيراً، وبعبارات محددة محفوظة له، ومنقولة عنه، والصحيح أنهم جميعاً لم يخلفوا وعداً، ولم ينقضوا عهداً لأبيهم الملك المؤسس، غير أن أداء كل واحد بينهم كان يختلف في داخل الإطار نفسه، حسب شخصيته، وحسب عقله، وحسب فكره، وحسب وجدانه بالسواء.
وليس أدل على ذلك من أن الملك عبدالله حين اتخذ موقفه المساند دون حدود لمصر، فيما بعد ثورتها، قد خضع لمقارنات، من حيث حجم موقفه ذاك، ليس مع الملك فهد، ولا مع الملك خالد، وإنما مع الملك فيصل، الذي كان دوره في الوقوف إلى جوارنا، في حرب أكتوبر 1973 لا يقل عما اتخذه الملك عبدالله دعماً لثورتنا على الإخوان.
وما أقصده بالدعم هنا هو الدعم السياسى أساساً، لا الدعم المادى، فالأول أهم، وأبقى، وأشد تأثيراً، وأقوى نفاذاً بين الأمم، وفى علاقات الدول.
الدعم السياسى هو الأهم، وهو ما أقصده تحديداً، ولو أن أحداً راجع أحداث عام ونصف، منذ 30 يونيو إلى الآن، فسوف يجد كيف تحولت مواقف عواصم كبرى في العالم، فأصبحت معنا، أو بالأدق توقفت عن عدائها الظاهر لنا، بمجرد أن أوفد الملك عبدالله، وزير خارجيته الأمير سعود إلى باريس، حاملاً وقتها عدة رسائل منه للذين يعنيهم الأمر في العاصمة الفرنسية، وفى خارجها، بامتداد أوروبا، وعبوراً للأطلنطى إلى واشنطن.
لا أزال أذكر كيف أن البيان الذي صدر في ذلك الوقت، وكنا في أغسطس من العام قبل الماضى، قد أكد على أن موقف المملكة السعودية الداعم لمصر لأبعد مدى، ليس محل نقاش، ولا مساومة، حتى ولو أدى مثل هذا الموقف إلى الإضرار بعلاقتها، كمملكة، بعواصم في أوروبا، وفى الغرب كله!
أذكر هذا، وأذكر غيره، مما لن ينساه التاريخ، ومما سوف يأتى يوم يجلس فيه رجال ليكتبوه، وليقولوا إن «عبدالله» الذي رحل صباح أمس، قد غادر دنيانا تاركاً وراءه ما لا يمكن نسيانه، في بلاده، وفى خارج بلاده معاً، وهو ما سوف يطول حوله الكلام.