سليمان جودة
أسوأ ما فى حكاية حرق الكتب فى الجيزة، ليس أبداً أن وكيلة وزارة التعليم، فى المحافظة، كان عليها أن تختار طريقة أخرى للتعامل مع الكتب التى تدعو إلى العنف بين الناس.. لا.. ليس هذا هو أسوأ ما فى الحكاية، لأن الحرق، كأسلوب، رغم أنه سيئ، ورغم أنه مرفوض، إلا أن هناك، بكل أسف، ما هو أسوأ منه فى الموضوع كله بمراحل!
وأسوأ ما فى الحكاية، ليس أن وكيلة الوزارة لم ترجع إلى وزيرها المسؤول، قبل أن تتولى الإشراف على العملية من أولها إلى آخرها، وأمام الكاميرات، كما تابعنا جميعاً.. لا.. ليس هذا، مع سوئه الظاهر، هو أسوأ ما فى الأمر، لأن هناك ما هو أسوأ منه بكثير، كما سوف ترى معى حالاً، حين نتطلع إلى القضية فى مجملها.. أقصد قضية التعليم فى البلد كله، كقضية مستقبل لنا جميعاً.
وأسوأ ما فى الموضوع، ليس أن الوزير المسؤول د. محب الرافعى، قد فوجئ بما حصل، وأنه على الفور قد أحال المسؤولة إلى التحقيق!.. فهذا فى حد ذاته، أقصد أن يفاجأ الوزير بأمر كهذا فى وزارته، ودون علمه، يظل شيئاً سيئاً للغاية بالطبع.. ولكن.. هناك ما هو أسوأ منه، وأسوأ!
وتستطيع أنت، أن تظل تحصى الأشياء السيئة فى هذا الطريق، إلى ما لا نهاية، ثم تفاجأ، فى النهاية، أن كل السوء الذى أحصيته، إنما هناك ما هو أسوأ منه بكثير!
ما هو أسوأ من كل هذا كله، والذى ظللت أنا أستدرجك من أول هذه السطور إلى هنا، لتعرفه، أننا كنا طول الوقت نراهن على أن ينتقل شأن التعليم من إطاره الضيق، باعتباره شأناً يخص الوزير الجالس على الكرسى، ليصبح شأنا أعم يخص دولة بأكملها، وفى أعلى مستوياتها.. كنا نراهن على هذا، طوال سنوات مضت، ولانزال نراهن عليه طبعاً، ليس طعناً فى كفاءة هذا الوزير، أو ذاك، ولا إقلالاً من قيمته، ولكن لأن هذا هو أمر التعليم فى أى بلد، يريد أن يغادر تخلفه المقيم إلى حيث يقف مع بلاد العالم الناهض حيث هى، ولأن التعليم عندما يكون قضية دولة بكل كيانها، فلن يؤثر فيه، ولا عليه، عندئذ، رحيل وزير، أو مجىء آخر، وسوف يأتى أى وزير، حين يأتى، لينهمك منذ لحظته الأولى فى تنفيذ «سياسة دولة» فى التعليم، لا سياسته هو، وسوف يختلف كل وزير، عندئذ أيضاً، عن السابق عليه، واللاحق له، فى الأسلوب، وليس فى الهدف، ولا الغاية!
كنا نراهن على هذا، ونطلبه، ونلح عليه، وكانت الدولة، ولاتزال بكل أسف كذلك، تراوغ وتقول بأن لديها أولويات أخرى، أكثر ضغطاً عليها، مع أنها لو أنصفت نفسها، وأنصفتنا معها، لأدركت أن التعليم حين يكون أولويتها الأولى، التى لا تنازعها أولوية أخرى، فسوف يكون ذلك لصالحها هى كدولة، ذات كيان يحترمه العالم، قبل أن يكون لصالح كل واحد من مواطنيها!
كنا نراهن.. ونراهن.. ونراهن.. ونأسف لأن يكون التعليم فى البلد، قضية وزير، لا قضية دولة، فإذا بواقعة الحرق تصدمنا، بما لم يكن على بالنا، ولا على خاطرنا، وهو أن أمر التعليم قد انحدر ليصبح قضية وكيل الوزارة!! لا الوزير نفسه!!
فإذا وجدت أنت ما هو أسوأ من هذا فى مسيرة التعليم على أرضنا، فأرجوك أن تدلنى عليه.. أرجوك!