سليمان جودة
بيننا وبين البرازيل 13 ساعة بالطائرة، ومع ذلك، فإن هذا لا يمنع من أن تكون تجربة الحكم عندهم مرشداً أمام أعيننا، إذا كنا راغبين، حقاً، فى أن ننجز شيئاً بين الأمم من حولنا.
وربما يكون الشىء الذى يستحضر تجربة البرازيل فى حياتنا، هذه الأيام، أن السيدة ديلما روسيف، التى تحكم هناك منذ أربع سنوات، قد أدت اليمين الدستورية، لفترة ثانية وأخيرة، صباح الخميس الماضى.
فهى لم تشأ أن تجعل من يمينها، أمام 200 مليون برازيلى، يميناً دستورية عادية، وإنما رأت أنها فرصة لتقول للعالم، ولمواطنيها، ماذا فعلت فى أربع سنوات مضت، وماذا سوف تفعل فى أربع أخرى قادمة.
أما السنوات الأربع الماضية فقد كانت جزءاً مضافاً إلى ثمانى سنوات سبقتها، حكم البلد خلالها رئيس آخر، قضى سنواته الثمانى، ثم مضى إلى حال سبيله، وفى 12 عاماً على بعضها كانت البرازيل قد انتشلت 40 مليون مواطن من قاع الفقر، وارتفعت بهم إلى مستويات حياة آدمية، وقد كانت هذه الخطوة، هى التى شغلت جانباً كبيراً من كلمة «روسيف» فى بدء فترتها الثانية.
كان الفقر، إذن، هو شاغل القصر الرئاسى البرازيلى، بامتداد 12 عاماً كاملة، وهو لم يكن انشغالاً نظرياً بالموضوع، وفقط، وإنما كان الانشغال بقضية الفقر، من جانب رئيس سابق، ثم من جانب رئيسة حالية، قائماً على خطة موضوعة سلفاً، وكانت الخطة تقول إن بلداً فى حجم البرازيل، سكاناً، ومساحة، وإمكانات، لا يليق به أن يكون هذا العدد من سكانه تحت خط الفقر!
ولأن الموضوع لم يكن عشوائياً، ولأنه كان القضية الأهم، ولأنه كان هناك هدف محدد سعى إليه الرئيس، ثم سعت إليه الرئيسة من بعده، فإن الملايين الأربعين قد جاء عليهم عام 2015، بينما هم بنو آدميون ولم يكونوا كذلك أبداً، فى عام 2003، ولابد أن لك، الآن، أن تتخيل حجم الإنجاز الذى حققوه، ثم إن لك، كذلك، أن تتصور شكل «الرسالة» الواضحة التى علينا نحن هنا أن نخرج بها مما تحقق هناك.
هذا عما مضى.. فماذا عما هو مقبل؟!.. قالت السيدة روسيف، فى خطابها الذى استغرق 40 دقيقة، إن بلدها إذا كان قد استطاع أن يقضى على الفقر، فى 12 عاماً، فإنه قد آن الأوان لتكون هناك قضية أخرى، هى الشغل الشاغل لهم، طوال فترتها الثانية، ولم تكن هذه القضية الجديدة سوى التعليم، ولهذا السبب، فإنها بدأت سنواتها الأربع الجديدة بشعار قالت إنه سوف يكون حاكماً لكل خطوة قادمة لها.. الشعار يقول: البرازيل وطن للتعليم!
وهو، كما ترى، لن يكون شعاراً فى الهواء، وإنما ينطوى على مضمون حقيقى، لسببين: أولهما أنها لن تكون المرة الأولى التى تكون فيها البرازيل أمام مثل هذا التحدى، فلقد أطلقت شعاراً عن الفقر، من قبل، وكانت على قدر التحدى، وحققت بالفعل ما أرادت أن تحققه، وبالتالى، فهى قادرة هذه المرة أيضاً، على أن تقتحم ملف التعليم، وأن تحقق فيه ما يضعها مع الأمم الكبيرة فى العصر رأساً برأس.
والسبب الثانى أنها حين تقول إن شعارها الجديد هو «البرازيل وطن للتعليم»، فهى، من خلال كلمات ثلاث لا أكثر، تريد أن تقول معنى عظيماً وموحياً، وهو أن المواطن يولد على أرض البرازيل ليتعلم بالأساس، وقبل أى شىء آخر!، أنه يأتى إلى الدنيا، برازيلياً، ليكون على موعد مع تعليم يمثل هماً متصلاً لرئيسة بلاده أربع سنوات كاملة!
إنه «فقه الأولويات» فلنأخذه من البرازيل، إذا كان قد عز علينا أن نأخذه من دول أخرى قبلها.