سليمان جودة
صباح أمس، كان المصريون على موعد مع خبرين معاً، كل خبر منهما يكاد يفوق الآخر فى أهميته.. أما الأول، فهو أن الرئيس السيسى قد قرر التنازل عن نصف راتبه الشهرى، ونصف ثروته الشخصية، لصالح الدولة. وأما الثانى، فهو أن الرئيس قد رفض مشروع الموازنة العامة للدولة.. الذى تقدمت به إليه الحكومة!
وإذا كان الرئيس عدلى منصور قد قرر قبل أن يترك منصبه أن يكون مرتب رئيس الدولة 21 ألف جنيه شهرياً، مع مبلغ مماثل على سبيل البدلات، فمعنى هذا أن السيسى سوف يتنازل للدولة عن 21 ألف جنيه، فى كل شهر، وسوف يعيش بمبلغ يساوى ما تنازل عنه، ولابد أن كثيرين سوف يتساءلون وهم يقرأون الخبر، عما إذا كان الرئيس يستطيع أن يعيش بمثل هذا المبلغ شهرياً بشكل لائق، أم أن الدولة سوف تتكفل بإعاشته كاملة، مع أسرته، وبالتالى فلن يكون فى حاجة إلى النصف، ولا الربع، ولا إلى جنيه واحد ينفقه!.. هذا سؤال لابد أن يُجاب عنه بشفافية مطلقة.
وتقديرى، أن هذا الرقم الذى قرره «منصور»، ليس مرتب رئيس دولة، وأنه فى حاجة إلى أن يكون مرتباً يليق برئيس جمهورية، وبما يكفيه تماماً، ثم بما لا يدع أى مجال لأن تدخل إلى جيب الرئيس فلوس أخرى من أى جهة، ولا من أى اتجاه سوى اتجاه مرتبه المعلن على الجميع.. إننى أعرف مديراً للفروع، فى أحد البنوك، يتقاضى 140 ألف جنيه مع آخر كل شهر، وبالتالى، فلا أعرف ما إذا كان من الملائم، أو المنطقى، أو المعقول، أن يتقاضى رئيس الدولة ربع مرتب مدير فروع فى بنك، أم أن مثل هذه الأجور فى حاجة إلى إعادة نظر من جذورها؟!
فإذا ما كان الكلام حول ثروة الرئيس التى تنازل عن نصفها، فأتصور أنه لابد أن يعلم كل مواطن حجم ثروة الرئيس فى إجمالها، ولابد لكل مواطن كذلك، أن يكون على علم بما إذا كان الرئيس قد تقدم بإقرار ذمة مالية قبل أن يتولى منصبه، أم لا؟!
واقع الأمر يقول بأن شيئاً من هذا لم يحدث، لأنه لو حدث لكان خبراً فى صدر كل صحيفة فى وقته، وليس من المتصور أن يحدث سراً، وبما أن الرئيس لم يتقدم بإقرار من هذا النوع، فالمطلوب الآن أن يفعل، وكذلك سائر المسؤولين فى الدولة، وبسرعة وعلانية، لتتم المقارنة بين الإقرار الحالى بعد فترة، والإقرار الذى سوف يكون على كل واحد منهم أن يتقدم به، يوم أن يغادر منصبه.
إن الرئيس يبادر بأشياء ممتازة، لم يعرفها المصريون من أى رئيس سابق عليه، وقد كانت حكاية أداء اليمين الدستورية للوزراء فى السابعة من صباح الثلاثاء قبل الماضى، من بين هذه الأشياء، بل فى مقدمتها.
غير أن الأهم فى الموضوع كله ألا يبادر الرئيس، ثم يتفرج باقى التسعين مليوناً، لأنه لا قيمة لموضوع السابعة صباحاً ما لم يتحول إلى نموذج فى كل موقع عمل، ولا أثر يمكن أن نذكره، فيما بعد لقرار التنازل عن نصف الثروة، ما لم تكن ثروة كل مسؤول معلنة على الملأ، ومرتبطة بإقرارين للذمة المالية: واحد فى أول يوم للمسؤول فى المنصب، وواحد فى آخر يوم.. وعندها فقط، سوف تكون لكل قرش فى المال العام الحرمة الواجبة.