سليمان جودة
منعنى السفر إلى الكويت من حضور حفل توقيع الكتاب الجديد للفنان فاروق حسنى، الذى كان يجب أن يكون الآن فى مكتبه، مديراً لمنظمة اليونسكو فى باريس، وليس فى بيته بالقاهرة!
إننا لانزال جميعاً نذكر المعركة التى خاضها الرجل، وخاضتها مصر معه، فى سبيل هذا الموقع الدولى، قبل الثورة، ولانزال نذكر كيف أن كل المؤشرات.. كلها لا بعضها.. كانت تقول، وإلى آخر لحظة، إن لا «بوكوفا»، المديرة الحالية، بل هو صاحب المنصب، ثم لانزال نعرف أن كلاماً إذا دار حول أحق الدول فى العالم بأن يكون أحد أبنائها على رأس منظمة تهتم بالشأن الثقافى فى أرجاء الأرض، فهذه الدولة هى مصر.. ولا دولة غيرها.. أما المبررات، فأنا، وأنت، وكل واحد يعرف ماذا تمثل مصر، إذا ما كان المقام مقام منافسة فى حقل الثقافة بوجه عام!
وقت أن ترشح للمنصب، وكان على مسافة رمية حجر منه، سألوه هناك: ماذا تعنى الحريات بالنسبة لك، ولبلدك، وتصوروا أن السؤال سوف يكون كميناً، فخاب ظن أصحاب السؤال!
وبدلاً من أن يشرح لهم هو ماذا تعنى قضية الحرية بالنسبة له ولبلده، وبدلاً من أن يدخل بهم فى تفاصيل، أخبرهم بأنه سوف يحكى لهم ثلاث حكايات من أرض الواقع، فالحكايات الثلاث، وموقفه فيها، تجيب عن السؤال تماماً، وباختصار!
فلقد حدث أن صدرت رواية «وليمة لأعشاب البحر» للكاتب حيدر حيدر، عن هيئة قصور الثقافة التابعة لوزارة الثقافة، عندما كان فاروق حسنى فى منصبه، وحدث أن قامت مظاهرات بين طلاب فى الأزهر، كانوا يرون فيها تجاوزاً، وقام صخب واسع حول الرواية، ولكن الوزير حسنى رفض اتخاذ أى إجراء ضد الرواية ورفض مصادرتها، ليس لأنه مع التجاوز، إذا وقع، ولا لأنه ضد طلاب الأزهر، ولكن لأنه مع حق كل شخص، بمن فى ذلك حيدر حيدر، فى أن يعبر عن رأيه، دون قيود، وبالضبط كما تظاهر الطلاب معبرين عن رأيهم، ولم يمنعهم أحد من التظاهر رفضاً للرواية!
وفى واقعة ثانية كانت مجلة «إبداع»، الصادرة عن هيئة الكتاب، التابعة للوزارة، قد نشرت نصاً إبداعياً، لم يعجب أهل التشدد فى الرأى، وقامت مشكلة وقتها، ولكن رأى فاروق حسنى، باعتباره صاحب عقل قبل أن يكون وزيراً، كان إزاء نص «إبداع» هو ذاته رأيه مع الرواية: حرية التعبير مكفولة، ولا يجب مسها!
وفى مرة ثالثة قامت ضجة ضد فوز الدكتور سيد القمنى بإحدى جوائز الدولة، ولم يختلف رأى «حسنى» فى هذه المرة الثالثة عنه فى مرتين سابقتين.. وفى كل المرات كان صاحب عقل مستنير، ينحاز للنور، ويعادى الظلام!