سليمان جودة
تبرعت جمعية مستثمرى البحر الأحمر بثلاثة ملايين جنيه لصندوق «تحيا مصر»، بما يعنى أن الصندوق الذى قال عنه الرئيس مؤخرا إنه جمع ستة مليارات، وفقط، قد زاد ثلاثة ملايين، وهى كما ترى زيادة طفيفة للغاية. وتكاد تكون بلا قيمة، قياساً على حجم الآمال فى الصندوق، وقياساً على ما تم جمعه فعلاً، ثم قياساً على طموح الرئيس من خلاله.
وأنت لا تستطيع أن تلوم الجمعية على أنها لم تتبرع بمبلغ أكبر، لأن الأكبر والأصغر مسألة نسبية، ولأن ما نراه مبلغاً زهيداً قد تراه هى مبلغاً كبيراً، ثم إننا نتكلم عن «تبرع» لا عن إجبار، ومن شأن التبرع أن يقوم به صاحبه تطوعاً، وألا يُلام إذا لم يبادر به.. لا يلام أبداً!
إنما الذى يجب أن يلام حقاً هو هذه الدولة التى تصمم على أن تنشغل بالملاليم، وتغض بصرها، راضية، عن ملايين ضائعة، بل عن مئات الملايين، وكذلك عن مليارات مهدرة!
ففى أهرام الجمعة الماضى، أن مباحث الضرائب والرسوم ضبطت 5452 حالة تهرب ضريبى بقيمة 85 مليار جنيه، خلال الثمانية أشهر الماضية.
نتكلم إذن عن 85 ألف مليون جنيه تم التهرب من دفعها كمستحقات للدولة، خلال ثمانية أشهر لا أكثر.. فكم ملياراً فى المقابل لم يتم ضبطها خلال عام، وعامين، وثلاثة مضت؟!
لذلك، قلنا من قبل، ونقول اليوم، وسوف نظل نقول إن الصندوق فكرة نبيلة، ولكن الرهان عليها رهان على شئ غير مضمون بالمرة، وليس أدل على ذلك إلا أن الرئيس نفسه قال عند بدء إنشائه إن طموحه فيه لا يقل عن مائة مليار، فإذا به بعد ستة أشهر يجد نفسه أمام حصيلة هزيلة، وإذا بالرئيس يتكلم عن هذه الحصيلة، ولسان حاله يقول ما معناه فى أمثالنا الشعبية إن هذا هو الله وإن هذه هى حكمته!
ولابد أن الدولة التى تعرف أن 85 ملياراً تم التهرب من دفعها، خلال ثمانية أشهر فقط، ثم تصر على أن تظل تنتظر 3 ملايين جنيه من جمعية مستثمرين، إنما هى دولة تعانى خللاً فى عقلها، تقدم الأقل أهمية على ما هو أهم، وتفرح بثلاثة ملايين جاءتها صدفة، وتبرعاً، وتطوعاً، ولا تحزن فى الوقت ذاته على 85 ملياراً ضاعت عليها فى أقل من عام، ولا على أضعاف هذا المبلغ، مما لم تتوصل إليه مباحث الضرائب!
متى تقتنع دولتنا بأنه لا موارد أساسية لها، إلا من الضرائب، وأن نظاماً ضريبياً دقيقاً كفيل بأن يجلب لها عشرة أضعاف ما كانت تراهن عليه، ولاتزال، فى الصندوق الشهير؟!
إنها لسبب غير مفهوم تترك المضمون، وتذهب لتفتش عما يمكن أن يأتى، أو لا يأتى، وبالنسبة نفسها من الاحتمال فى الحالتين!
المقدمات، كما يقول أهل المنطق، تؤدى إلى نتائج، وأظن أن ستة أشهر من عمر الصندوق كافية لقراءة حجم ما سوف يأتيه فى المستقبل، مهما طال الوقت، وهى أيضاً كافية جداً لأن تدرك الدولة أن الذى لا يتبرع للصندوق ولا يلام سوف يقع تحت طائلة الحساب إذا ما قصّر فى دفع ضرائبه، بشرط أن نعلن مسبقاً نسبة الضرائب المستحقة على الأرباح، وأن تظل النسبة ثابتة لفترة طويلة، فيعرف المستثمر، أو المموّل، رأسه من قدميه، وينهض فى كل صباح، وهو عارف أنه أمام دولة فيها نظام ضرائبى دقيق وثابت، لا أمام نظام عشوائى ومتقلب!
مليارات الضرائب أبقى من ملاليم الصندوق!