سليمان جودة
يتصور الرئيس المعزول محمد مرسى أن الناس لا يذكرون ماذا حدث في نوفمبر 2012، عندما كان هو في الحكم وقتها، لسوء حظنا، وعندما شنت إسرائيل حرباً على غزة، في ذلك الوقت، وتبادل الطرفان، تل أبيب وحماس، إطلاق الصواريخ على بعضهما البعض، وقد كان من سوء حظ أبناء قطاع غزة، الذين هم فلسطينيون أصلا في أغلبهم، أن حركة حماس كانت تحكم القطاع وقتها، ولاتزال!
في تلك الأيام حدث أن «مرسى» راح يتدخل لوقف الحرب بينهما، ولم يكن تدخله لوقف قصف إسرائيل لأبناء القطاع، بقدر ما كان في أساسه لمنع إطلاق أي صاروخ حمساوى على إسرائيل!.. ولذلك لم يكن غريباً أن تذكر صحيفة «واشنطن بوست» الأمريكية، هذه الأيام، حقيقة ما جرى، قبل نحو عامين، ثم تتباكى على أن «مرسى»، اليوم، يقف في موقع لا يستطيع منه التدخل لوقف أي صواريخ قادمة من غزة في اتجاه إسرائيل!
وليس أدل على صحة ما أقول سوى أن الرئيس الأمريكى أوباما قد اتصل، وقتها، من الجو، وقد كان في رحلة لشرق آسيا، بمرسى، ليبلغه إعجابه بشجاعته، لأنه، أي الرئيس الإخوانى حينئذ، قد سارع بالوقوف حائط صد لحماية أي إسرائيلى من أي إطلاق نار قد يأتيه من داخل الأراضى الفلسطينية!
ليس هذا فقط، وإنما الذين طالعوا بعضاً مما جاء في مذكرات هيلارى كلينتون، التي صدرت مؤخراً، يعرفون أنها تحكى عما جرى في تلك الأثناء، وقد كانت وزيرة لخارجية بلادها في حينه، وكيف أنها معجبة للغاية بتدخل الرئيس الإخوانى لحماية أرواح الإسرائيليين الأبرياء من الفلسطينيين الأشرار!
وإذا أردنا زيادة في الموضوع، قلنا إن مجلة «تايم» الأمريكية قد صدرت بعد وقف إطلاق الصواريخ الحمساوية بأيام، وعلى صدر غلافها صورة لرئيس الإخوان، مع عبارة تحت الصورة تصفه بأنه أقوى رجل في الشرق الأوسط!.. وقد كان قوياً إلى هذا الحد، في نظر المجلة الأمريكية، لا لأنه أنجز شيئاً في بلده، وللمصريين الذين انتخبوه، إذا كانوا قد انتخبوه حقاً، ولا لأنه حمى روحاً لفلسطينى برىء، وإنما لأنه حمى أرواح أبناء إسرائيل!
فإذا أردنا إضافة أكثر، قلنا إن الإعلان الدستورى الكارثى، الذي أراد به الرئيس الإخوانى أن يكون هو، كرئيس، فوق الدستور، وفوق القانون، قد صدر في أعقاب هذه العملية مباشرة، بل في يومها التالى.. لماذا؟!.. لأنه، والحال هكذا، اطمأن إلى أن الأمريكان راضون عنه، وأنهم يمتدحونه، ويمتدحون شجاعته، وقوته، فظن أنه يستطيع إذن أن يفعل ما يشاء!.. ولا أريد أن أضيف إضافة أخرى، لأقول إن «مرسى» وصف الرئيس الإسرائيلى شيمون بيريز، في خطاب رسمى منشور، بأنه صديقه العظيم، وتمنى لبلاده كل الخير والرفاهية، وهو بالمناسبة ما لم يفعله مبارك نفسه، بامتداد 30 عاماً في الحكم!
أقول هذا كله، حتى لا ننسى أولاً، وحتى لا ننخدع ثانياً، بالعبارة الساذجة التي أطلقها الرئيس الإخوانى، من محبسه، أمس الأول، عندمنا كان في قفص المحاكمة في قضية اقتحام السجون، إذ قال: لبيك يا غزة لبيك!.. ولو أنصف لقال، قياساً على تصرفه في 2012 لبيك يا إسرائيل لبيك!
لقد دفع الفلسطينيون في غزة، في 2012، ثمناً فادحا من حياتهم وحياة أبنائهم، ليس فقط لأن حماس الإخوانية كانت ولاتزال في الحكم، وإنما لأن الإخوان أنفسهم كانوا في الحكم في القاهرة لمدة عام، ولو كان هناك شىء حقيقى يجب أن يفعله أي فلسطينى هناك، بعد زوال هذه الغمة عنهم، فهو أنه يسعى مع رفاقه إلى التخلص بأى طريقة من حكم حمساوى يظل ولاؤه لـ«الجماعة»، ليس أبداً لأرض فلسطين، كما قد يتصور الناس الطيبون فيهم!
وكم كان القاضى بليغاً، ودقيقاً، حين وصف مرسى مع سائر المتهمين في القضية، صباح أمس الأول، بأنهم مهرجون!