سليمان جودة
فى واحد من فنادق مكة المكرمة، صافحنى رجل أعمال شاب وهو غاضب، ولم أفهم سر غضبه فى البداية، ثم فهمت منه أن الغضب راجع إلى أن الإعلام فى مجمله يتكلم عن أشياء لا وجود لها عند أصحاب الأعمال، وأنه شخصياً يعانى من ذلك كثيراً، وأنه يتألم عندما يقرأ ويشاهد كلاماً فى إعلامنا، فإذا تلفت حوله لم يجد مما يقال قدراً من الحقيقة على الأرض!
عرفت منه أنه يستثمر نحو عشرين مليوناً فى واحدة من المدن الجديدة، وفى غيرها من المدن، وأن مشكلته التى أصبح لا يجد لها حلاً أن أكثر الذين يعملون لديه لا يريدون أن يعملوا بضمير، كما أن الذين يفتقرون إلى مهارات العمل منهم لا يحبون ولا يرغبون فى اكتساب المهارات التى تنقصهم، رغم أنه يتيح لهم ذلك وبصدق، ولكنه اكتشف فى النهاية أن العمال والموظفين المصريين يريدون - فى غالبيتهم - أن يأخذوا دون أن يعطوا، ويريدون أن يقبضوا رواتب فى آخر الشهر دون أن يقدموا فى مقابلها عملاً منتجاً، وهو ما لا يقوله الإعلام بصراحة فى تقديره، بل أحياناً يقول عكسه!
كان صاحب الأعمال الشاب يتحدث بألم، بما يدل على أنه موجوع مما يلاقيه، ولابد أنه ليس حالة نادرة فى هذا الاتجاه، كما لابد أن الدولة فى حاجة إلى أن تتعامل معه، ومع غيره فى مجتمع الأعمال، وفق رؤية واضحة ترى هدفها، وتتجه من أقصر طريق إليه.
ولعلك لاحظت أننى أتكلم عن المستثمر الذى بين أيدينا ويعمل فعلاً، لا الذى نريده أن يأتى ليستثمر عندنا لأول مرة.
وفى كل الأحوال لابد أن تسأل الدولة نفسها هذا السؤال: ماذا سوف يجعل صاحب الأعمال المقيم بيننا يواصل إقامته وعمله، وماذا سوف يجعل الجديد يأتى؟
أول ما سوف يشجعه، أو يطفشه، هو الضرائب التى سوف يكون عليه أن يدفعها عن أرباحه، وهل هى معروفة مسبقاً، ومحددة بدقة، وثابتة، أم أنها متحركة حسب الظروف؟!
فضرائب الأرباح التجارية كانت ثابتة لفترة عند 20٪، وكان أى صاحب أعمال مقيم، أو جديد، يعرف قبل أن يضع طوبة فى مشروعه أنه إذا كسب ألف جنيه - مثلاً - فسوف يدفع منها مائتين للدولة، لا مائتين زائد واحد، أو اثنين، أو ثلاثة.. مائتين وفقط.. وربما كان هذا هو ما جعل الاستثمار ينتعش فى تلك الأيام!
اليوم تحركت الـ20٪ ووصلت إلى حدود الـ30٪، وهذا هو جوهر المشكلة التى يجب أن ننتبه إليها، وإلى ما قد يكون لها من عواقب، لأن الذى يعمل مستثمراً لا يعرف أى نسبة بالضبط سوف يدفعها عن أرباحه، وأخطر ما يواجه أى صاحب أعمال أن تكون الضريبة على أرباحه متحركة، لأن ذلك يخيفه، ولا يشجعه، ولا يطمئنه.. والباقى نعرفه! هذه واحدة.. والثانية أنك - كحكومة - كنت تدعمه بالطاقة الرخيصة زمان، ولم يعد شىء من هذا قائماً الآن، أو فى المستقبل القريب على الأقل، بما سوف يجعله، كصاحب أعمال، متردداً فى المجىء، إذا لم يكن قد جاء بعد، وفى العمل والتوسع إذا كان يعمل فعلاً! أما العمالة غير المدربة فهى مشكلة المشاكل، فما أسهل أن تجد عاملاً أو موظفاً فى أى وقت، وبأعداد لا حصر لها، كصاحب عمل، وما أصعب جداً أن يكون العامل ماهراً، وأن يكون الموظف صاحب ضمير يقظ!.. فما العمل؟!.. العمل أن تكون ضريبة الأرباح - لا الدخل - ثابتة، ومعروفة، ولا عبث فيها كل فترة، لأن الحكومة إذا كانت عاجزة عن الاستمرار فى دعم أصحاب الأعمال بالطاقة الرخيصة، قياساً على ما فى الدول حولنا، وإذا كانت غير قادرة على إتاحة تعليم يضيف المهارات المطلوبة للخريجين، فليس أقل من أن تطمئن أصحاب الأعمال بالضريبة الثابتة التى تغرى بطبيعتها ولا تطرد!