سليمان جودة
مهم جداً أن يخصص الرئيس 10 مليارات جنيه للإنفاق على سيناء، لكن الأهم منه أن يُقال للناس بشكل واضح أين سوف يتم إنفاق هذا المبلغ، وكيف، ومتى؟!
وقد كان الأمل أن يكون تخصيص مبلغ بهذا الحجم مبادرة طبيعية من الدولة، لا رد فعل على تفجيرات سيناء الأخيرة.. فسيناء، التى تبلغ مساحتها 66 ألف كيلو متر مربع، أكبر من أن تكون أفعالنا إزاءها على مستوى الاهتمام والإنفاق العام فى مقام رد الفعل، ولابد أن يكون عندنا الفعل المبادر الذى لا ينتظر حتى يستفزه شىء فيها.
وربما تكون هذه مناسبة لأن أقول إن الذين اجتزأوا جزءا من كلام سابق لى، ثم نشروه بما يصوّر موقفاً منى يسىء إلى أبناء سيناء، هؤلاء الذين فعلوا ذلك ليسوا فقط أغبياء، وأصحاب نية سيئة، وإنما هم عاجزون عن قراءة ما كنت قد كتبته أيام حادث كرم القواديس، فى مجمله، فلم يجدوا سوى اجتزاء سطور من سياقها، ثم نشرها على أنها رأى لى مكتمل، بما يناقض تماماً المعنى الذى أردت أن أقوله وقتها.
فلم يحدث أيام كرم القواديس، ولا قبلها، ولا بعدها، أن كتبت شيئاً يسىء لأبناء سيناء، فى الشمال، ولا فى الجنوب، وكل ما طالبت به الدولة، فى أيامها، وأطالبها به الآن، أن تكون حازمة مع الذين يرفعون عليها سلاحاً، وأن تلاحقهم، وأن تسحقهم سحقاً. وهو كلام، كما ترى، ينطبق فقط على كل إرهابى يمارس عنفاً ضد الدولة، لأنك لا يمكن أن تطلب من الحكومة أن تحاور إرهاباً، أو أن تضع يدها فى يد إرهابيين!
أما أبناء سيناء الذين ينتمون إلى بلدهم فى عمومه، شأنهم شأن أى مواطن فى الصعيد، أو فى الوادى، فهؤلاء مصريون مائة بالمائة، ولا يمكن أن أقبل تفرقة من أى نوع بين واحد منهم وبين أى مواطن خارج سيناء.. لا أقبل.. وبالمناسبة، فإن أبناء سيناء عاتبون على الدولة، لأنها فى تقديرهم اهتمت بضحايا التفجيرات الأخيرة، من بين أبناء قواتنا المسلحة، ولم تبذل الاهتمام ذاته لضحايا الحادث نفسه، من بين المدنيين هناك، وما سمعته من بعض أبناء سيناء يقول إن مدنيين من بين مصابى التفجيرات يرقدون الآن فى المستشفيات، ويحتاجون إلى التفات من الدولة، وهو ما أدعو الحكومة إلى أن تتداركه بسرعة، وأن تحرص على أن تساوى بين أبنائها جميعاً، فلا تفرق بين هذا وذاك، على أى مستوى، ولا لأى سبب، ليس لأن هذا يترك مرارة فى نفوس الذين يشعرون بالإهمال الحكومى، وإنما لأنهم يصبحون مادة جاهزة أمام أعداء هذا البلد، كما أنهم يصبحون مادة جاهزة أيضاً للمتاجرة بها، من جانب الذين لا دين عندهم، ولا أخلاق، ولا ضمير!
أعود إلى المليارات العشرة، وأتمنى لو خصصت الحكومة ضعف هذا المبلغ فى الاتجاه نفسه، ثم أدعو إلى أن يكون شخص بعينه مسؤولا عن ملف سيناء عموماً، على المستوى الاقتصادى، بحيث نسأله كل فترة: ماذا فعل، وكم أنفق من المليارات العشرة، وماذا سوف يفعل مستقبلاً، وفق جدول زمنى محكم، لا يعرف التراخى، ولا يغمض له جفن، حتى يتغير الحال هناك نحو ما هو أفضل.
وإذا كان الفريق أسامة عسكر قد أصبح على رأس قيادة موحدة فى وجه الإرهاب، شرق القناة، فإن سيناء نفسها فى حاجة إلى «عسكر» آخر مدنى، يتولى كل ما هو غير عسكرى، ويعمل فى كل يوم مع محافظيها الاثنين، أو مع المحافظين الثلاثة فيها إذا كانت ستنشأ محافظة ثالثة لمنطقة الوسط، فى حركة المحافظين القادمة.
المليارات العشرة، وما سوف تليها من مبالغ أخرى، فى حاجة إلى «عسكر» مدنى، تكون له القيادة الموحدة مدنياً، وبطريقة كهذه نضمن أن يكون للمبلغ عائد حى على الأرض، نراه، ويراه أبناء المنطقة، ويخضع المشرف عليه للمحاسبة، ويكون ملتزماً أمامنا بتحقيق برنامج تنمية، يوضع سلفاً، ويجرى تنفيذه على مراحل، كل واحدة تؤدى للتى بعدها.