سليمان جودة
وضع الدكتور كمال الجنزورى الأساس الحقيقى لما أصاب لجان الانتخابات، فى مرحلتها الأولى، ثم توارى وابتعد، معتقداً أن أحداً لن يذكر ماذا فعل، ولا ماذا ارتكب بيديه فى حق هذا البلد!
وتذكرنا خواء اللجان من ناخبيها، بامتداد يومين كاملين، وكان أصدقاء لنا من دول عربية شقيقة يتصلون، ولايزالون، ليسألوا عما جرى، وكنت من جانبى أشعر فى سؤالهم بالشفقة علينا، أكثر مما أشعر بأى شىء آخر.. ولم أكن أدرى ماذا أقول لهم، ولا بماذا أجيب!.. وكان معهم الحق، لأن الخطوة الثالثة من خريطة الطريق التى ظللنا نراهن عليها قد جاءت كاشفة، وجاءت وكأنها ضربة قوية على رأس كل واحد فينا، لعلنا نفيق.. وخصوصاً مسؤولينا المعنيين بالأمر!
وإذا كان الرئيس قد وجه كلمة قصيرة ومهمة إلى الناخبين، قبل بدء الانتخابات بساعات، راجياً إياهم أن يذهبوا، وأن يشاركوا، وأن يختاروا، فلم تستجب الغالبية منهم، فإن المسؤولية فيما حدث تعود إلى أسباب كثيرة، غير أن السبب الأهم بينها هو ما قام به الجنزورى على وجه التحديد!
وما قام به ليس هيناً بالمرة، ولا يجب أن نستهين به، ولا بدوره فى دفع الناخبين، فى إجمالهم، إلى الإحجام عن الذهاب، وكأن لسان حالهم، وهم يمتنعون عن الذهاب، كان يقول ما معناه إن الجنزورى إذا كان قد راح يمهد الطريق، منذ البداية، لتعيين 120 نائباً فى البرلمان الجديد، من خلال قائمة تابعة للدولة، فهو حر.. غير أن عليه أن يعين الباقين أيضاً إذا شاء، لأن ما راح يمارسه هو من عبث سياسى، بامتداد عدة أشهر، لم يكن ينطلى على أحد، ولن ينطلى!
وهو لم يشأ أن يكتفى بالانخراط فى تشكيل قائمة حكومية، وفقط، ولكنه طرد منها كل الشباب، فكان أن امتلأت بهم المقاهى، فى وقت الاقتراع، ثم خلت منهم اللجان بالتالى، وكأن لسان حالهم كان يقول مرة أخرى، ما معناه، إن الجنزورى إذا كان قد طردنا، أو بمعنى آخر، طرد ممثلينا من قائمته الحكومية فليشربها وحده، وليدفع الناخبين، ثم الشباب منهم بوجه خاص، إلى أبواب اللجان، إذا كان ذلك فى مقدوره، وإذا كان يستطيع!
لابد أن الدولة فى مستوياتها المهمة تضرب الآن أخماساً فى أسداس، وتتساءل عن أسباب خواء اللجان، ولابد أنها سوف تقرأ فى تقاريرها عن أسباب كثيرة، غير أنها إذا كانت ترغب فى أن تكون أمينة مع نفسها، ومع الناس، فلتأت بالمتسبب الأول، كمال الجنزورى، ولتحاسبه، فالخطوة الأولى نحو ما شهدته اللجان من غياب مخجل، ومؤسف، كانت من عنده هو، حين راح يهندس فيما لا يعرف!
وعندما يزور الرئيس بريطانيا، أول نوفمبر المقبل، سوف يسألونه هناك عن تفسيره لعدم ذهاب مواطنيه إلى اللجان، وسوف يسألونه عن تفسيره لما قاله سفيرنا ناصر كامل عن أن كل الذين صوتوا فى لندن 280 ناخباً لا غير، وسوف يواجه الرئيس حرجاً، ولكن المشكلة أن كمال الجنزورى لن يكون معه ليرفع الحرج، ويجيب عن كل الأسئلة!