المعلومة الأهم، فى صحف الأمس، عن زيارة الرئيس الروسى إلى القاهرة، يوم 9 فبراير، هى أن قرضاً قيمته 1.5 مليار دولار سوف يجرى الاتفاق عليه، خلال الزيارة، من أجل إقامة محطة نووية فى الساحل الشمالى.
وليس سراً، أن «بوتين» يزورنا بينما اقتصاد بلاده فى أضعف حالاته، منذ تولى هو الحكم فى فترته الحالية، بفعل انخفاض أسعار البترول من 130 دولاراً للبرميل، قبل ستة أشهر، إلى ما دون الأربعين دولاراً هذه الأيام!
وهى مسألة انعكست بشكل مباشر على سعر العملة الوطنية عندهم، ففقد «الروبل» 40٪ من قيمته خلال الفترة نفسها!
وقد بحثت فى أخبار الزيارة المتناثرة، فى صحف الأمس، عن شىء يخص السياحة الروسية، باعتبار أنها يمكن أن تمثل كنزاً حقيقياً لنا، لو أننا أحسنا الترويج لها عندنا، فلم أجد شيئاً!
إن السياح الروس أعدادهم كبيرة، كما أن السوق الأوروبية التى كانت متاحة لهم، طوال سنوات مضت، مغلقة الآن، بسبب ما بين أوروبا والولايات المتحدة من جانب، وما بين موسكو، من جانب آخر، وقد كان الأمل أن ننتهز نحن هذه الفرصة، وأن نفتح أمامهم سوقاً فى مصر، بكل الإغراءات الممكنة، لولا أن هذا فيما يبدو ليس على قائمة أولويات الزيارة!
وكنت قد أشرت إلى هذا الملف مبكراً، وقلت ربما أكثر من مرة، إن أمامنا سوقاً روسية يمكن أن تنعش السياحة المصرية بدرجة كبيرة جداً، وإن هذا فى حاجة إلى عمل مخطط نضع له هدفاً، ثم نسعى نحو الوصول إليه، ومما قلته منذ سبتمبر الماضى، أن السائح الروسى الذى يجد أبواب شواطئ أوروبا مغلقة أمامه لأسباب سياسية، يجب أن يجد شواطئنا مفتوحة عن آخرها أمامه فى الوقت ذاته، وأن شمس الشتاء لدينا لن يجدها هو فى أى بلد آخر، وأننا لا يجوز أن نفوت هذه الفرصة.
صحيح أن مواسم السياحة، فى أى بلد، يجرى الاتفاق عليها منذ وقت مبكر، قد يصل إلى عام قبلها، غير أن ما نراه أمام أعيننا ينطق بأننا لا نتعامل مع موضوع كهذا بشكل منظم، ولا وفق برنامج عمل له بنود، يؤدى كل بند منها إلى الآخر.
وإذا كان البند الأهم فى الزيارة، على نحو ما هو منشور، لا يخرج عن المليار ونصف المليار دولار للمحطة النووية، فمعنى هذا أننا نرتب أولوياتنا مع الروس بالمقلوب، لأننا نترك البند الأهم، متمثلاً فى السياحة، بكل ما يمكن أن يأتى لنا به، من عائد ضخم مباشر، ونتكلم فى محطات نووية يقلع العالم عنها، عاماً بعد عام، منذ فترة، ويذهب إلى طاقة الشمس والرياح، باعتبارها الطاقة المتجددة والنظيفة معاً، أو بمعنى أدق باعتبارها طاقة المستقبل.
ولا أحد يعرف لماذا الإصرار على إقامة محطة نووية، أو أكثر، لتوليد الكهرباء، فى وقت نملك فيه نحن، من طاقة الشمس، ومن طاقة الرياح، ما لا يملكه غيرنا، فضلاً عن أنها طاقة آمنة تماماً!.. لا أحد يعرف!
ولعلنا نذكر الآن، أن اتحاداً كان قد نشأ أيام الرئيس الأسبق مبارك، بين دول الشاطئ الجنوبى للبحر المتوسط ودول الاتحاد الأوروبى، تحت اسم «الاتحاد من أجل المتوسط»، وقد قيل كلام كثير عن أهدافه وقتها، وكيف أن التعاون من خلاله بين دول الشاطئين، شمالاً وجنوباً، سيكون فى سبيل القضاء على الإرهاب، ولكن أحداً لم يتكلم عن هدف آخر أهم، كان مسكوتاً عنه، وكانت أوروبا تريده من وراء اتحاد بهذا الاسم، وهو توليد طاقة الشمس من شواطئ دول شمال أفريقيا.
كان الاتحاد موجوداً بقوة فيما قبل 25 يناير 2011، وكانت رئاسته مشتركة بين القاهرة وباريس، ولا أحد يعلم إلى أين وصل اليوم، وقد اختفت أخباره من الإعلام، غير أن ما نعلمه أنه لا يمكن أن تكون عندنا كل هذه الإمكانات فى طاقة الرياح، وفى طاقة الشمس، طوال العام كله، ثم نذهب لنفتش عن طاقة نووية هى بطبيعتها غير آمنة، وغير نظيفة!
لماذا لا نخصص المليار ونصف المليار لإقامة محطات شمس، ومحطات رياح؟!.. ولماذا نصمم على إقامة محطات نووية قد تكون طاقة توليدها كبيرة، ولكنها ليست آمنة بالمرة، خصوصاً فى مثل منطقتنا، وفى مثل ظروفنا، ولا هى نظيفة؟!
علينا أن نأخذ من الروس ما نحتاجه نحن، وليس ما يريدون هم أن يعطونا إياه!