سليمان جودة
ما يحزنك حقاً أن تكتشف، وأنت تتابع أنباء انفجار ملف الفساد فى الاتحاد الدولى لكرة القدم الشهير بـ«فيفا»، أن الأمريكان الذين فجروه لم يفعلوا ذلك لأنهم ضد الفساد فى الاتحاد كفساد، وإنما لغرض آخر لا يكاد يخطر على بالك!
يحزنك أن تكتشف أن المدعى العام فى نيويورك الذى أصدر أمراً بالقبض على ستة من كبار قيادات الاتحاد يوم 28 مايو، أى قبل إجراء الانتخابات على رئاسة فيفا بـ24 ساعة، لم يكن، وهو يصدر ذلك الأمر، يريد أن يحارب الفساد فعلا.. وإلا.. لكان قد حاربه قبل ذلك بسنين.. فالتوقيت الذى صدر فيه أمر القبض إياه كان ينطق فى حد ذاته بأن وراءه هدفاً آخر إلا أن يكون هذا الهدف هو محاربة الفساد، كما يقول الكتاب!.. إن الذى يريد أن يقاوم الفساد فى الاتحاد الدولى بجد لا ينتظر أربع ولايات كاملة أمضاها بلاتر فى منصبه، ثم يأتى ليفجر الدنيا من حوله فى آخر 24 ساعة من الولاية الرابعة.. إن هناك، إذن، غرضاً آخر!
ثم تتخيل أن يكون الأمريكان وهم يفجرون الملف مؤيدين مثلا للأمير الأردنى على بن الحسين، منافس بلاتر الوحيد، فتكتشف أن هذا غير صحيح بالمرة وأنهم لو كانوا يؤيدونه لساعدوه حتى ينجح، وهو ما لم يحدث!
ثم تخيل لمرة ثالثة أن الأمريكان ربما يقفون ضد أن يستمر بلاتر فى رئاسة الاتحاد لولاية خامسة جديدة، وأن أربع ولايات تكفى جدا، وأن هذه مسألة مبدأ عندهم، فيخيب ظنك، ويتبين لك أنه حتى هذا الظن من جانبك غير صحيح بدوره، وأنهم لا مانع لديهم فى أن تدوم رئاسة بلاتر للفيفا عشر ولايات كاملة إذا ما صادف ذلك هوى فى نفوسهم!
تحار أنت بالتالى وتظل تسأل نفسك عن السبب الحقيقى الذى جعلهم يسكتون عن فساد فيفا لسنوات طوال، ثم قرروا فجأة أن يكشفوه، فالستة الكبار المقبوض عليهم حاليا لم يفسدوا فى يوم ولا فسدوا فجأة ولا ارتكبوا الجرائم الموجهة إليهم الاتهامات فيها دون مقدمات، لكنه فساد جرى ارتكابه وممارسته على مدى سنوات وسنوات، وكان الذين كشفوه أمامنا بشكل مفاجئ يعرفونه تفصيلاً ثم يغضون عنه البصر!
ما الغرض الحقيقى إذا كانت كل هذه الأسباب التى يمكن أن تخطر على بالك ليست هى التى حركت المدعى العام الأمريكى فى نيويورك!
الغرض الواضح أن الولايات المتحدة تريد أن تكيد لروسيا وأن تحرمها، إن استطاعت، من تنظيم مونديال 2018، فهذا هو الهدف الحقيقى الذى يبدو متواريا وراء القصة منذ بدأت وإلى اليوم حلقة وراء حلقة!
ويحزنك كذلك أن تكتشف ضمن ما تكتشف أن الولايات المتحدة وهى تقاوم الفساد، لهدف آخر غير مقاومته كفساد فى حد ذاته، قد تحولت إلى دولة من دول العالم الثالث.. فهكذا بالضبط، وبهذه الطريقة البلدى، تحارب دول العالم الثالث المتخلفة أى فساد على أرضها!
فما أقواها من لحظة كاشفة تعرى واشنطن وتنزل بها بين العواصم إلى مستوى لم يكن المرء يظن أنها يمكن أن تنزل إليه!