سليمان جودة
ماذا نريد بالضبط من القضاء؟!.. فمرة أقرأ ويقرأ معى الناس، قبل ثلاثة أيام، أنه تقرر نقل المستشار سعيد يوسف، رئيس محكمة جنايات المنيا، إلى دائرة مدنية، لا تنظر قضايا الإرهاب، مع ما نعرفه عن الرجل، من أنه هو الذى أصدر أحكام الإعدام الشهيرة إياها على متهمين إخوان!
ومرة أخرى، أقرأ، ويقرأ معى الناس، صباح أمس، أنه تقرر إلغاء دائرة إعدام الإخوان، أى دائرة المستشار يوسف، وتوزيع قضاياها على الدوائر القضائية المختصة، فى كل مركز من مراكز المحافظة.
وكما ترى، فإن الخبر فى الحالتين، له معنى واحد، وهو أنه لا يراد للمستشار يوسف، أن ينظر فى المستقبل قضايا من نوع ما كان قد نظر فيها من قبل، وأصدر أحكامه فيها.
ورغم إقرارى بأن توزيع الدوائر القضائية يظل شأناً خاصاً لمحاكم الاستئناف، وأنه لا يجوز أن ينازعها فيه أحد، ولا جهة، ورغم يقينى فى أن الجمعية العمومية لمحاكم الاستئناف، يظل لها مطلق الحق فى أن توجه أياً من السادة القضاة إلى الدائرة التى تراها، إلا أنى أتكلم هنا، تحديداً، عن «المعنى» الذى يمكن أن يصل الرأى العام فى مجمله، من وراء القرارين، سواء قرار إلغاء الدائرة، أو قرار نقل المستشار يوسف إلى دائرة غير دائرته.
ذلك أن القرارين لو كانا قد صدرا فى ظروف عادية، ما كان أحد قد توقف عندهما، وما كانا هما قد استوقفا أحداً.. أما أن يصدرا بعد أحكام من جانب الرجل أثارت ما أثارت فى وقتها، فهذا معناه المباشر أن أحكامه التى أثارت جدلاً واسعاً تقف وراء القرارين، وأنه لولا صدور تلك الأحكام عنه، ما كان قد تقرر نقله، وما كانت دائرته قد جرى إلغاؤها!
لقد راح كثيرون يروجون، على مدى الفترة الماضية، بوجه عام، ومنذ صدور أحكام المستشار يوسف، بوجه خاص، أن الحكومة تعمل على تسييس القضاء، وأنها تتدخل فى أحكامه، وأنها تضغط على بعض القضاة لإصدار أحكام بعينها، وأنها، وأنها، إلى آخر ما قيل فى هذا الاتجاه، ولا أعرف كيف فات على الحكومة أن تستخدم أحكام المستشار يوسف على وجه التحديد، للتدليل القاطع على خطأ كل ما يقال فى حقها، فى هذا الموضوع، وعن أنها لو كانت تتدخل حقاً، لكانت ببساطة قد أوحت للرجل بأن يصدر أحكاماً بخلاف التى أصدرها، وكانت بالتالى، وعندئذ، قد تجنبت تماماً ما ثار ضدها فى هذا الشأن؟!
أما أن يأتى القراران إياهما هكذا، فإنهما يوحيان بأننا، من خلال الجمعية العمومية لمحاكم الاستئناف، لا نريد أحكاماً كهذه من المستشار يوسف، مرة أخرى، وهو ما لا يجوز، تحت أى ظرف، لأن الأحكام يراها ويريدها القاضى، والقاضى وحده، وبما أمامه من أوراق، وليس بأى شىء سواها.
لقد قضى الرجل بأحكام الإعدام، لأنه رأى أن المتهمين الماثلين أمامه، قد ارتكبوا جريمة محددة، وأن القانون يضع للجريمة المرتكبة عقوبة محددة أيضاً، فلم يفعل هو سوى أنه طبق القانون، ولم يخترعه، ولم يؤلفه، ولم يستحدث عقوبات من عنده.
وقديماً كانوا قد لاموا الخليفة العادل عمر بن الخطاب فى أنه اقتص من ثلاثة رجال معاً، لأنهم اشتركوا فى قتل غلام باليمن، فكان رد الخليفة الراشد الثانى أن أهل اليمن جميعاً لو كانوا قد اشتركوا فى قتل الغلام، لقتلهم عن آخرهم دون أن يبالى.