سليمان جودة
أخشى جداً أن يكون الرئيس عبدالفتاح السيسى قد أعطى جون كيرى، وزير الخارجية الأمريكى، عند لقائه به أمس الأول، وعداً بمراجعة قانون التظاهر وتعديل ما يمكن تعديله فيه!
أخشى ذلك جداً، لأن الوزير الأمريكى عندما تكلم، بعد لقاء الرئيس، عن الموضوع، قال ما يلى نصاً: «أثق أنه خلال الأيام والأسابيع المقبلة، ستتم معالجة هذا الأمر».. قالها نصاً، وجاءت منقولة عنه فى صدر الصفحة الأولى من «المصرى اليوم»، وفى غيرها من الصحف الصادرة صباح أمس!
والحقيقة أنى حين قرأت هذه العبارة، على لسان الوزير الأمريكى، سألت نفسى بقوة: من أين جاء الوزير بهذه الثقة التى يتكلم بها، وهل يمكن أن يكون واثقاً من كلامه إلى هذا الحد إلا إذا كان قد أخذ وعداً من الرئيس أو حتى من أى مسؤول مصرى كبير؟!
مصدر خشيتى يعود بالطبع ليس إلى أنى ضد مراجعة القانون، أو ضد تعديل ما يمكن تعديله فيه، وإنما لأن هناك أصواتاً مصرية انقطعت طوال الفترة الماضية، من طول مطالبة أصحابها بنفس ما جاء كيرى ليطالب به، ولكن أحداً لم يستمع إليها، ولا التفت لها.. وقد كان الأفضل بطبيعة الحال أن تستجيب الدولة لأصوات أبنائها المخلصين لها، وليس لصوت أمريكى يطلب ما يطلبه، لأهداف نحن جميعاً نعرفها تماماً.
نعرفها تماماً، لأنه رغم أن عندنا عشرات، بل مئات من القوانين التى تحتاج إلى تعديل، وإلى مراجعة بشكل عاجل، إلا أن الأمريكان لا يهمهم فى الحكاية كلها إلا قانون التظاهر، وينامون، ويستيقظون، وهم يحلمون بأن يجرى تعديل هذا القانون على وجه التحديد.. وللأمانة هناك قانون آخر يهمهم بالدرجة ذاتها، هو قانون جمعيات المجتمع المدنى الذى ينظم تمويلها من الخارج، فإذا ضممت أنت هذا إلى ذاك، اتضحت لك معالم الصورة، ورأيت بدقة، ماذا يهم الأمريكان عندنا، وماذا لا يهمهم.. ثم لماذا يهمهم هذان القانونان دون غيرهما.. فهذا هو الأهم!
سوف يكون شىء سيئ للغاية أن تتم مراجعة قانون التظاهر، خلال أيام أو أسابيع مقبلة، ليس لأنى ضد مراجعته، كما قلت، أو ضد تعديل ما يمكن تعديله فيه، وإنما لأنه سوف يقال، وقتها عن حق، إن التعديل تم بطلب أمريكى، وبضغط أمريكى، وبإلحاح أمريكى، وهذا ما لا نريده أبداً.. بل نمقته، وعانينا منه فى فترات سابقة، ونريده ألا يعود.
لقد رأيت الأستاذ جورج إسحاق، عضو المجلس القومى لحقوق الإنسان، فى المغرب مؤخراً، وفهمت منه أن للمجلس عدة ملاحظات موضوعية على القانون، وأن الدولة، لو أخذت بها، سوف يتوقف هذا اللغط حول الموضوع، وتعجبت وأنا أسمع هذا من الرجل، ثم زاد عجبى وتضاعف فى اللحظة التى قرأت فيها ما جاء على لسان السيد كيرى أمس!
وكان العجب فى حالتيه راجعاً إلى أن الدولة إذا استجابت، فالأجدى قطعاً أن تستجيب لمحمد فايق فى «حقوق الإنسان» ولجورج إسحاق معه، وجميع الذين يعملون معهما فى المجلس، لا للوزير الأمريكى، ولا لأى كيرى فى الولايات المتحدة، أو خارجها!
فالمؤكد أن مجلس حقوق الإنسان، من أول فايق، مروراً بإسحاق، وانتهاءً بغيرهما فيه، يهمه أمر هذا الوطن بصدق، وإخلاص، وهو ما يقف على العكس منه كلياً جون كيرى!