سليمان جودة
تمنيت لو أن الذين شرشحوا لأردوجان، بعد هجومه الأخير على النظام الحاكم فى مصر، أن يُنحوا مثل هذا الأسلوب فى الرد عليه، أو حتى على غيره، جانباً، وأن يبحثوا عن أشياء موضوعية توجعه، وتؤلمه، وتكشفه بالإجمال أمام العالم كله.. وما أكثرها!
مثلاً.. فات على الذين راحوا يردون على كلامه بأشياء هامشية، أنه إلى 24 ساعة مضت، كان يرفض الاشتراك فى مقاومة إرهاب تنظيم «داعش»، وأنه ظل ممتنعاً عن الاشتراك، منذ مؤتمر جدة، وأنه عندما قرر أن يشارك، أخيراً، وأخيراً جداً، فإنه فعل ذلك على استحياء ومضطراً!
فعله مضطراً لأنه أحس بأن بلدة «كوبانى» فى الشمال السورى، أى على حدود بلاده تركيا تماماً، توشك أن تخضع بكاملها لسيطرة التنظيم، بما قد يعنى أن شهية الإرهاب يمكن أن تتجه بعدها نحو الأراضى التركية ذاتها!
ولم يكن هذا وحده هو الذى فاتنا، ولا هو وحده الذى كان علينا أن نستغله فى معركتنا مع هذا الرجل، وأن نعلنه على الملأ، ومن فوق منصة الأمم المتحدة نفسها!
فات علينا أن نعلن من فوق المنصة الرئيسية هناك، ومن فوق كل منصة بعدها، أن وزير خارجيته حضر مؤتمر جدة، الذى نشأ فيه التحالف الدولى ضد الإرهاب الداعشى، وأن الوزير التركى رغم حضوره، مع 11 وزير خارجية آخرين، قد رفض التوقيع على البيان النهائى للمؤتمر، وكان معنى هذا، أن أنقرة لا تريد أن تقاوم إرهاباً يهدد المنطقة، فضلاً عما يمكن أن يهدده فى أنحاء العالم، وأنها - أقصد تركيا - تؤيده، إذن، وتدعمه، ثم تروح وتجىء بينها وبينه اتصالات، ومساعدات، ومساندات!
وكان أمامنا أن نقول، ولايزال، إن وزير خارجية أمريكا نفسه، قد ذهب بعد مؤتمر جدة إلى هناك، لإقناع الرئيس التركى بالمشاركة فى مقاومة الإرهاب، وإن الوزير الأمريكى قد فشل، وإن كل ما استطاع أن يقوله، بعد انتهاء زيارته، إن مشاركة تركيا سوف تتقرر لاحقاً.. تصوروا!
وقد كان أردوجان يتحجج بأن عنده 59 مختطفاً، لدى التنظيم فى الموصل، وأنه يخشى على حياتهم، إذا ما قرر هو المشاركة، وقد صدقناه، أو بمعنى آخر تظاهرنا بأننا نصدقه، فإذا بالمختطفين الأتراك يجرى الإفراج عنهم فجأة، دون أن تسيل نقطة دم واحدة من أى منهم، وإذا بالموضوع كله فى غاية الغموض، وإذا بالرئيس التركى لا يقول لنا ما الذى بالضبط بينه وبين الإرهابيين، بحيث يتم الإفراج عن مختطفيه لديهم هكذا بسهولة وإذا به بعدها يظل يمتنع، ويتمنع، فى المشاركة!!
وكان ديفيد كاميرون، رئيس وزراء إنجلترا، آخر الذين ذهبوا إلى أردوجان، قبل يومين، لإقناعه.. تخيلوا لإقناعه.. بأن الإرهاب لن يفرق بين ضحاياه فى المنطقة، ولا فى العالم!
هل يجوزر مع رجل مثل الرئيس التركى، هذا هو سجله فى التعاون مع الإرهاب، لا مقاومته، ولا محاربته، أن نتركه، عند الضرورة، دون أن نبين هذا الوجه المؤيد للإرهاب منه، أمام كل محب للسلام فى أرجاء الأرض؟!
وبالطبع، فإن ملفه السلبى فى مجال الحريات، وحقوق الإنسان، متخم جداً، ولا يحتاج منا سوى أن نقلِّب بعض أوراقه، وأن ننشر، باستمرار، هذه الأوراق على الدنيا، وعندها سوف يقتنع هو بأنه آخر الذين يمكن أن يقذفوا بيوت الآخرين بالطوب!