سليمان جودة
غادرت إلى تونس، صباح أمس الأول، وأنا أقرأ فى صحف الصباح أن سائقى التاكسى الأبيض يرفضون أن يشاركهم أحد فى نقل الزبائن فى القاهرة، وينظمون وقفات احتجاجاً على أن يكون لشركتى «أوبر» أو «كريم»، أو غيرهما، موطئ قدم فى شوارع العاصمة!
وفى المساء، أخذت «تاكسى» من الفندق الذى أقيم فيه، على أطراف العاصمة التونسية، إلى شارع الحبيب بورقيبة، الذى يقع فى الوسط منها!
كانت قراءة العداد أمامى تقول إن علىَّ أن أدفع للسائق ثلاثة دينارات تونسية إلا ثمانين مليماً، وحين ناولته عشرة دينارات أعطانى سبعة منها ومائة مليم، وبحسبة بسيطة اكتشفت أنه أعاد لى عشرين مليماً من حقه، بما يعنى أن عينه لم تكن على جيب الزبون الجالس إلى جانبه، طوال المشوار، كما يحدث عندنا!
هذه واقعة جرت كما أرويها بالضبط، وهى لابد أن تكون أمام عين كل سائق تاكسى أبيض يرى أن الشركات الجديدة تقطع عليه ثم على زملائه أرزاقهم.. فليس هذا صحيحاً بالمرة، وإنما الصحيح أن «الأبيض» وغير الأبيض متاح الآن فى الشارع، وأن الزبائن تطلب الذى تراه أنظف وأحرص على أن ينقل أى مواطن فى أى مشوار، دون أن يكون هدفه الحصول على كل ما فى جيبه، أو على الأقل، الحصول على أكبر مبلغ ممكن، دون الالتزام بقراءة العداد، ودون حتى أن تكون حتى السيارة من النوع الآدمى الذى ينقل بنى آدميين من خلق الله!
المسألة فيها بالطبع زاوية أخرى أهم، وهى أن المصريين كانوا، منذ فترة، قد ضجوا من سوء استغلال سائقى التاكسى الأبيض لظروف كل مواطن يقع بين أيديهم، وكان كل سائق منهم، أو كانوا فى غالبيتهم حتى لا نقع فى خطأ التعميم، يعطلون عدادات السيارات عن عمد، وكانوا يرفضون استعمال التكييف فى عز أيام الحر، وكان زبائنهم يقعون فرائس بين أيديهم، وكان المرور فى البلد يتفرج!.. وكان سحب الرخصة من أى سائق مخالف من هذا النوع كفيلاً بأن يجعل غيره يلتزم، ولكن، لأن ذلك لم يحدث، ولأن كل مشوار كان ينتهى فى الغالب، إما بخلاف بين الزبون والسائق حول قيمة الأجرة، وإما بخناقة فى عرض الشارع، فإن الذين يعتمدون على التاكسيات فى حياتهم اليومية، وهم كثيرون، لجأوا إلى الشركات الجديدة على الفور، لأنهم وجدوا عندها الحد الأدنى من الاحترام الواجب للمواطن، إذا ما استخدم وسائل النقل الخاص فى بلده!
الشركات الخاصة الجديدة لم تظهر من فراغ، ولكنها وليدة ظروف كانت العلاقة فيها بين سائقى التاكسى الأبيض وغير الأبيض وبين المواطنين محكومة بمنطق القوة مرة، وبمنطق الاستغلال مرات، من جانب الطرف الأول، وفى غياب القانون الذى هو يد الدولة فى ضبط كل الأمور على أرضها!