سليمان جودة
ثلاث أو أربع صحف يومية خرجت على الناس، صباح أمس، بمانشيت متطابق فى صياغته، وفى عدد كلماته.. المانشيت كان يقول: يوم الدم فى سيناء!
ولو شاءت تلك الصحف، التى اتفقت فى مانشيتاتها، دون اتفاق مسبق، أن تكون أكثر رقة لقالت: يوم الدم فى شمال سيناء!
ثم لو شاءت أن تكون أكثر تحديداً فى اختيار كلماتها لقالت: يوم الدم فى مستطيل شمال سيناء الملتهب!
أما المستطيل الذى أقصده فهو الذى يتحاذى بالضلع الأكبر فيه مع البحر المتوسط من جهة الشمال، ويرتكز بالضلع الأصغر منه على قطاع غزة من جهة الشرق، ثم تحيط الأرض السيناوية بالضلعين الباقيين جنوباً وغرباً.
ولو كان الأمر ممكناً لكنت قد رسمت خريطة مصاحبة لهذه السطور، لعل المستطيل المقصود يتجسد أمام عينيك بحوافه وأضلاعه وحدوده.
أقول هذا الكلام لأن أى مراجعة دقيقة لأعمال الإرهاب فى شمال سيناء، خلال فترة ليست قصيرة ماضية، سوف تكشف لك أن الإرهاب هناك لا يكاد يخرج عن أضلاع هذا المستطيل، بل يكاد ينحصر فى داخل أضلاعه الأربعة فلا يتجاوزها!
السؤال الذى لابد ألا يفارق عقولنا هو: لماذا هذا المستطيل على وجه التحديد، ولماذا تتكرر فيه عمليات الإرهاب بالطريقة نفسها، تقريباً، وفى الأمكنة ذاتها، تقريباً أيضاً؟!
عندى ثلاثة أسباب يمكن أن تُفسر انحصار الإرهاب فى هذه البقعة دون غيرها، فى أقصى شمال شرق سيناء.. مع أسباب أخرى محتملة ومضافة بالطبع!
أما الأول فهو كونها محاذية للبحر المتوسط، بما يمكن أن يجىء منه، وأن يلوذ بالهرب من خلاله.. ولذلك فربما يكون الشاطئ هناك فى حاجة إلى مراجعة سريعة، وأمينة، من حيث وسائل تأمينه، وأدوات السيطرة عليه، إذ لا يجوز أن ننسى أن شاطئاً كهذا منفتح فى النهاية على مياه دولية فى البحر، ممتدة حتى شواطئ تركيا فى الشمال، بكل ما فى صدر الأرعن أردوغان تجاه مصر هذه الأيام!
وأما السبب الثانى فهو ارتكاز الضلع الأصغر للمستطيل على قطاع غزة، وحين أقول غزة هنا فإننى أعنى حركة حماس تحديداً فيها، باعتبارها فرعاً لأصل اسمه الجماعة الإخوانية، وبكل ما ينطوى عليه صدر الفرع وصدر الأصل معاً من غل تجاه وطن كبير اسمه مصر!
ثم يبقى السبب الثالث متعلقاً بعدد من أبناء الشمال ممن هم امتداد لعائلات وأسر موجودة فى مواقع جغرافية أخرى خارج الحدود، وبالذات فى قطاع غزة ومعها كذلك إسرائيل، وبكل ما يمكن أن يكون بين الطرفين، هنا، ثم هناك فيما بعد الحدود من ترتيب واتصال وتدبير!
فإذا تذكرنا العبارة التى كان قد قالها الإخوانى الكريه محمد البلتاجى بلسانه، وقت ثورة يونيو، عن توقف الإرهاب فى سيناء إذا ما عاد الجيش عن موقفه إلى جوار الإرادة الشعبية وقتها، فإن ذلك وحده يظل بمثابة النور الذى يمكن تركيزه فى اتجاه مساحة معينة، فيضىء جنباتها ويبدد ظلامها.. إن لنا أن نتذكر أن ذلك الإخوانى الكريه قد تحدّث عن العنف فى سيناء وليس فى مصر كلها، بكل ما فى تحديده لمنطقة بعينها من إضاءات أمام أعيننا ودلالات.