توقيت القاهرة المحلي 22:20:17 آخر تحديث
  مصر اليوم -

ليس مبعوثاً واحداً وإنما ثلاثة

  مصر اليوم -

ليس مبعوثاً واحداً وإنما ثلاثة

بقلم - سليمان جودة

في مسرحية «ليلى والمجنون» لأمير الشعراء أحمد شوقي، كان والد ليلى العامرية يسأل قيس ويقول: جئت تطلب ناراً أم جئت تشعل البيت ناراً؟

ولا شيء يمكن أن يستدعي إلى الأذهان هذا السؤال الذي ألقاه والد ليلى على قيس، إلا حكاية المبعوث الأممي التي كلما اختفت من بلد في منطقتنا ظهرت من جديد في بلد آخر، مع أن طريقة الإخراج في كل مرة واحدة، ومع أن الحصيلة واحدة أيضاً.

فالمفترض في كل مرة أن المبعوث يأتي لا ليطلب ناراً على طريقة قيس مع ليلى، وإنما ليقدم ناراً تضيء ولا تحرق. هذا ما يقوله المبعوث عند مجيئه، وهذا ما تقوله منظمة الأمم المتحدة عندما ترسله، ولكن ما يقال منه ومن المنظمة شيء، وما نتابعه بعدها على الأرض في كل بلد يزوره المبعوث شيء آخر تماماً.

وليس هذا بالطبع كلاماً مرسلاً، ولكنه كلام تؤيده التجربة ليس مع مبعوث واحد، ولا مع اثنين، ولكن مع ثلاثة معاً، وفي فترة زمنية لا تتجاوز الشهور المعدودة على أصابع اليدين.

فلا حديث في العراق هذه الأيام ينافس الحديث عن البعثة الأممية «يونامي» ورئيستها الهولندية جينين هنسين بلاسخارت، ولا شيء يقال عنها إلا الرغبة العراقية المتنامية في رحيلها عن بلاد الرافدين في أقرب وقت ممكن، ولا يكاد يمر يوم إلا ويعود فيه العراقيون إلى القول إن مغادرة البعثة ورئيستها إذا لم تكن اليوم، فلا أقل من أن تكون في الغد، أو في بعد الغد على أقصى تقدير.

ورغم أن هذه البعثة جرى إرسالها قبل 21 سنة، فإن الرغبة في مغادرتها قد اشتدت هذه الأيام واحتدَّت، أما السبب الذي يقال فهو أنها «تجاوزت صلاحياتها»، وهذه عبارة مطاطة، كما ترى، ولا تدل على شيء محدد، ولا بد أن وراءها تفاصيل غير معلنة، ولكن هذه التفاصيل سوف تبقى في الخفاء في الغالب، ولن يعلن العراقيون منها شيئاً، وسوف تغادر البعثة حين تغادر ومعها تفاصيلها غير المعلنة.

وقبل أسابيع كانت الأطراف السياسية الليبية قد طلبت مغادرة المبعوث الأممي عبد الله باتيلي، وكانت قد تمسكت بطلبها، وكانت قد اتهمته علانية ببث الفُرقة في الحياه السياسية، ولم يملك باتيلي سوى الرحيل في النهاية. صحيح أنه اتهم الساسة الليبيين بأنهم «أنانيون» وصحيح أن معنى هذه التهمة أنهم يقدمون مصالحهم على الصالح الليبي العام، ولكن الأصح أنه ليس المبعوث الأممي الأول الذي يأتي ثم يغادر طوعاً أو بطلب من الليبيين، فلقد جاء ورحل قبله كثيرون، وجميعهم كانوا يغادرون بينما حال البلد ينتقل من سيئ إلى أسوأ.

وفي مايو (أيار) من السنة الماضية كانت الحكومة السودانية قد طلبت رحيل المبعوث الأممي الألماني فولكر هيرتس، وكانت الخرطوم قد صممت على مطلبها، ولم يكن أمام هيرتس إلا أن يغادر رغم أنه تباطأ في البداية، ورغم أن الأمم المتحدة التي أرسلته رفضت رحيله لفترة.

وفي تفسير طلب المغادرة قالت الحكومة في السودان كلاماً عاماً من نوع ما قالته الحكومة العراقية وهي تطلب مغادرة بلاسخارت وبعثتها، وكان مما قاله السودانيون أن تحركات هيرتس في البلاد لا تبعث على الرضا ولا على الارتياح.

فإذا انتبهنا إلى أن طلب مغادرة المبعوث الألماني تزامن مع اشتعال الحرب في السودان بين الجيش و«قوات الدعم السريع»، استنتجنا بالبديهة أن طلب مغادرته لا بد أن يكون له علاقة بهذه الحرب وبموقفه منها وبحركته خلالها.

ومن بلاسخارت في بغداد، إلى باتيلي في طرابلس الغرب، إلى هيرتس في الخرطوم، نستطيع أن نلمح خيطاً يمتد بين البعثات الثلاث، ونستطيع أن نتبيّنه رغم أنه غير مرئي، فهو قائم هناك في الأفق البعيد، وهو يقول للعواصم الثلاث، ولسواها من عواصم المنطقة، إن المبعوث الأممي حين يأتي لا يأتي ليمارس عملاً خيرياً.

هو يأتي في كل الحالات مبعوثاً من المنظمة الدولية الأم في العالم، وهذه المنظمة تهيمن عليها دول بعينها في عالمنا، ولا تكتفي هذه الدول بالهيمنة عليها، وإنما توجهها إلى حيث مصالح محددة قد لا تلتقي مع مصالح الدول التي يزورها المبعوث.

يأتي المبعوث من هؤلاء ليطلب ناراً على طريقة قيس، أو يأتي في يده نار، ولكن النار يمكن أن تنير طريقاً في أي بلد ويمكن أن تحرق، وليس من الواضح أن نار المبعوثين الثلاثة المشار إليهم قد أضاءت طريقاً أو أنارت سبيلاً، فالطرق والسُّبل يضيئها وينيرها أبناء البلد أنفسهم، لا المبعوثون الأمميون مهما كان عددهم ومهما كانت النيات المعلنة.

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

ليس مبعوثاً واحداً وإنما ثلاثة ليس مبعوثاً واحداً وإنما ثلاثة



GMT 10:17 2024 الإثنين ,18 تشرين الثاني / نوفمبر

ممدوح عباس!

GMT 10:15 2024 الإثنين ,18 تشرين الثاني / نوفمبر

القديم والجديد؟!

GMT 08:33 2024 السبت ,02 تشرين الثاني / نوفمبر

فرنسا تتصالح مع نفسها في المغرب

GMT 03:37 2024 الأحد ,13 تشرين الأول / أكتوبر

حزب المحافظين البريطاني: «لليمين دُرْ»!

GMT 23:09 2024 الأحد ,06 تشرين الأول / أكتوبر

هل يمكن خلق الدولة في لبنان؟

إطلالات هند صبري مصدر إلهام للمرأة العصرية الأنيقة

القاهرة ـ مصر اليوم

GMT 12:40 2024 السبت ,23 تشرين الثاني / نوفمبر

محمد حيدر مسؤول العمليات في حزب الله هدف عملية بيروت
  مصر اليوم - محمد حيدر مسؤول العمليات في حزب الله هدف عملية بيروت

GMT 17:30 2024 السبت ,23 تشرين الثاني / نوفمبر

ميرهان حسين تكشف مفاجأة عن أعمالها المقبلة
  مصر اليوم - ميرهان حسين تكشف مفاجأة عن أعمالها المقبلة

GMT 16:28 2024 السبت ,23 تشرين الثاني / نوفمبر

نائبة الرئيس الفلبيني تتفق مع قاتل مأجور لاغتياله وزوجته
  مصر اليوم - نائبة الرئيس الفلبيني تتفق مع قاتل مأجور لاغتياله وزوجته

GMT 01:58 2021 الأربعاء ,01 أيلول / سبتمبر

البورصة المصرية تربح 31.4 مليار جنيه خلال شهر أغسطس

GMT 23:21 2020 الأربعاء ,26 آب / أغسطس

بورصة بيروت تغلق على تحسّن بنسبة 0.37%

GMT 13:08 2020 الإثنين ,24 شباط / فبراير

7 قواعد للسعادة على طريقة زينة تعرف عليهم

GMT 01:27 2018 الإثنين ,26 شباط / فبراير

باحثون يؤكدون تقلص عيون العناكب الذكور بنسبة 25%

GMT 15:46 2018 الأربعاء ,07 شباط / فبراير

كارل هاينز رومينيجه يشيد بسياسة هاينكس

GMT 12:17 2018 الجمعة ,02 شباط / فبراير

Mikyajy تطلق أحمر شفاه لعاشقات الموضة والتفرد

GMT 16:48 2018 الخميس ,25 كانون الثاني / يناير

المقاصة يسعى لاستعادة الانتصارات أمام الانتاج

GMT 14:39 2018 الإثنين ,22 كانون الثاني / يناير

"ثقافة أبوقرقاص" تنظم فعاليات في قرية الكرم وقصر الإبداع

GMT 01:22 2018 الإثنين ,01 كانون الثاني / يناير

العسيلي والليثي يطرحان أغنيتهما الجديدة "خاينة"

GMT 19:11 2015 الإثنين ,12 تشرين الأول / أكتوبر

مركز "محمود مختار" يستضيف معرض الفنان وليد ياسين

GMT 03:33 2017 الخميس ,09 تشرين الثاني / نوفمبر

دار VIDA للمجوهرات تطرح مجموعة جديدة لامرأة الأحلام
 
Egypt-today

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

egypttoday egypttoday egypttoday egypttoday
Egypttoday Egypttoday Egypttoday
Egypttoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
Egypt, Lebanan, Lebanon