توقيت القاهرة المحلي 20:07:56 آخر تحديث
  مصر اليوم -

تكريم في أنقرة على مجمل الأعمال

  مصر اليوم -

تكريم في أنقرة على مجمل الأعمال

بقلم - سليمان جودة

يحدث في أحيان كثيرة أن يقرر مهرجان من مهرجانات الفن تكريم نجم من النجوم؛ فتبحث اللجنة المعنية بالتكريم عن عمل بين أعمال النجم يبرر تكريمه دون سواه، ولكنها لا تستقر في العادة على عمل بعينه، ولا يكون أمامها إلا التكريم على مجمل أعماله.

وأياً كانت الأسباب التي تدفع اللجنة إلى هذا الاختيار، فإن تكريماً على هذه الصورة لا يريح صاحبه في غالب الأحوال، ولا يجلب له الرضا الذي يتصوره المتابعون، ويجعله يجد في داخله ما لن يجده لو أن التكريم كان على عمل واحد محدد لا على مجمل الأعمال. ويمكن بهذا المعنى فهم الفوز الذي تحقق للرئيس الرئيس التركي في سباق الرئاسة، ويمكن الانتقال بالمعنى من عالم الفن إلى دنيا السياسة، دون أن يكون في الأمر تعسُّف في تفسير أسباب الانتصار، وبغير أن تنطوي المقارنة على مبالغة في استيعاب جوانب الموضوع.

فليس سراً أن استطلاعات الرأي التي سبقت الجولة الأولى من السباق مالت في كل المرات إلى جانب مرشح المعارضة، كمال كليتشدار أوغلو، ورجحت حصيلتها فوزه على الرئيس المرشح، وكانت نتائجها منشورة ومتاحة بالنسب والأرقام. ولم تكن الاستطلاعات تبني على غير أساس، ولكنها كانت تسأل الناخبين وتأخذ منهم ثم تحسبها بالورقة والقلم، وكانت الأجواء المؤدية إلى السباق والمحيطة به تقول ما تقوله الاستطلاعات، وكان ذلك واضحاً للعين المجردة على المستوى الاقتصادي بالذات.

وليس من التهويل في شيء أن يقال إن الناخب يمشي على بطنه إلى صندوق الاقتراع، وإن هذه حالة عامة تحكم عمليات الاقتراع في تركيا وفي غير تركيا، ولا يفعل الناخب ذلك إلا لأن ما يمس الرغيف في حياته يؤشر له على اختيار مرشح دون بقية المرشحين.

ولم تكن أحوال الاقتصاد التركي في مرحلة ما قبل انطلاق السباق تسُر الناخبين في العموم؛ فالليرة كانت ولا تزال تواصل التراجع أمام الدولار، والتضخم الذي يبين المستوى العام للأسعار كان في أعلى مستوياته، ولم يكن شيء يهم الناخب التركي في حياته إلا التضخم بهذا المعنى، وإلا سعر الليرة الذي كان يزيد من الأعباء عليه يوماً من بعد يوم.

وكان مرشح المعارضة يعرف هذا ويراه، وكان يتحدث مع الناخب بلسان 6 من الأحزاب هي التي كانت قد دفعت به إلى المواجهة، وكان لا يتوقف عن توظيف هذا كله في ميزانه، وكان يذهب إلى توظيفها أكثر وأكثر، كلما أظهرت الاستطلاعات تقدمه على المرشح الرئيس.

ولم يكن الحال في الخارج بالنسبة لإردوغان بأفضل مما كان يجد نفسه عليه في الداخل؛ فالسفير الأميركي في أنقرة كان في الأيام السابقة على انطلاق السباق قد زار مرشح المعارضة، وكان ذلك مما يدل على اتجاه الريح في الولايات المتحدة. يومها استشعر إردوغان خطورة الزيارة وأدرك المعنى فيها، فأبدى غضبه الشديد من إدارة الرئيس بايدن التي لا بد أنها كانت على علم بما قام به ممثلها في تركيا، ولم يجد الرئيس التركي حرجاً في الإعلان عن أن كل الأبواب على أرض بلاده ستكون موصدة في المستقبل أمام هذا السفير.

وفي أنحاء القارة العجوز التي يطرق إردوغان بابها من سنين، لم يكن الحال بأحسن منه مع العاصمة الأميركية، وكانت أوروبا قد ضاقت ذرعاً بالرئيس التركي، الذي كان يضع قدماً فيها إذا ما تعلق الأمر بالحرب الروسية على أوكرانيا، ثم يضع القدم الثانية في «الكرملين» حيث يجلس الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، وكان وكأنه يقود حصانين في مضمارين يتوازيان في سباق.

كان ولا يزال يدق باب القارة طالباً العضوية في الاتحاد الأوروبي، ولم يكن الباب ينفتح ولا كان الأوروبيون يستجيبون، وكانوا يتصرفون معه على طريقة السيدة دنلوب في الأسطورة اليونانية، التي كان الرجال يدقون بابها يطلبون الزواج، بعد أن غاب زوجها في الحرب فأطال الغياب، وكانت هي تردهم في رفق وتقول إنها ستختار واحداً منهم، إذا ما فرغت من ثوب في يديها كانت تنسجه، ولكنها كانت تفك ليلاً ما تنتهي منه نهاراً، وهكذا ظلت تفعل بغير أفق أمام الذين كانوا يتوافدون على الباب.

وكان الرئيس التركي ولا يزال يقف في طريق التحاق السويد بـ«الناتو»، وكان وهو يفعل ذلك وكأنه يعيد تذكير الأوروبيين بأنه لا ينسى الباب الموصد أمامه في عضوية الاتحاد. وفي أيام المستشارة أنجيلا ميركل كان قد اشتبك معها ساخطاً فاكتسب عداءً مع الألمان، وما فعله مع ميركل عاد في وقت لاحق ليكرره مع الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، فعاش على خصومة مع «الفرنساوية»، كما كان رفاعة رافع الطهطاوي يسميهم في كتابه: «تخليص الإبريز في تلخيص باريز».

لكن إردوغان في نظر الناخب التركي يظل الرجل الذي أخذ بيد تركيا وأجلسها على طاولة «مجموعة العشرين»، وهذا فيما يبدو هو ما دعا ناخبيه إلى أن يكافئوه على مجمل الأعمال، لا على عمل هنا يتصل بمعدل التضخم، ولا على عمل آخر هناك يخص وضعية الليرة أمام الدولار.

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

تكريم في أنقرة على مجمل الأعمال تكريم في أنقرة على مجمل الأعمال



GMT 10:17 2024 الإثنين ,18 تشرين الثاني / نوفمبر

ممدوح عباس!

GMT 10:15 2024 الإثنين ,18 تشرين الثاني / نوفمبر

القديم والجديد؟!

GMT 08:33 2024 السبت ,02 تشرين الثاني / نوفمبر

فرنسا تتصالح مع نفسها في المغرب

GMT 03:37 2024 الأحد ,13 تشرين الأول / أكتوبر

حزب المحافظين البريطاني: «لليمين دُرْ»!

GMT 23:09 2024 الأحد ,06 تشرين الأول / أكتوبر

هل يمكن خلق الدولة في لبنان؟

إطلالات هند صبري مصدر إلهام للمرأة العصرية الأنيقة

القاهرة ـ مصر اليوم

GMT 11:07 2020 الجمعة ,24 كانون الثاني / يناير

سعر الذهب في مصر اليوم الجمعة 24 كانون الثاني يناير 2020

GMT 00:28 2019 الجمعة ,06 كانون الأول / ديسمبر

خالد النبوي يكشف كواليس تدريباته على معارك «ممالك النار»

GMT 14:08 2019 الإثنين ,02 كانون الأول / ديسمبر

أبرز الأحداث اليوميّة لمواليد برج"الحوت" في كانون الأول 2019

GMT 00:09 2019 الأحد ,01 كانون الأول / ديسمبر

ارتدي جاكيت الفرو على طريقة النجمات
 
Egypt-today

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

egypttoday egypttoday egypttoday egypttoday
Egypttoday Egypttoday Egypttoday
Egypttoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
Egypt, Lebanan, Lebanon