بقلم - سليمان جودة
رغم أن مسلسلات رمضان هذه السنة لا تتجاوز ١٥ حلقة فى الكثير منها، إلا أن كثيرين من المشاهدين لم يستطيعوا الانتظار، وبدأوا منذ الحلقة الأولى فى تقييمها وإطلاق الأحكام النهائية عليها.
ولا تعرف كيف يمكن الحكم على عمل فنى من مجرد إلقاء نظرة عابرة عليه، أو من مجرد متابعة مشهد هنا أو هناك، أو من مجرد السماع عنه من آخرين، أو حتى من عنوانه، أو من صور الدعاية كما حدث مع الفنانة منى زكى على سبيل المثال؟.
ولأن أى عمل فنى هو فكرة مكتملة فى النهاية، فليس من الممكن أن تحكم على العمل من خلال حلقة فيه، ولا من حلقتين، ولا حتى من عشر حلقات.. قد يتكون عندك انطباع عن العمل فى مجمله، وقد تجد فى حلقاته الأولى من المعانى ما يعجبك أو ما لا يعجبك فتتوقف أمامه.. وهذا طببعى.. ولكن غير الطبيعى بالمرة أن يبدأ عرض المسلسل أول أيام رمضان، فينطلق الهجوم عليه فى اليوم الثانى من الشهر.
وقد كانت الفنانة رحمة أحمد، بطلة مسلسل «الكبير أوى» مع الفنان أحمد مكى، هى حائط التنشين الذى راح يتلقى حصيلة الانطباعات الأولى عن دورها فى المسلسل.. والغريب أنها كانت محل إشادة كبيرة فى الجزء السابق من المسلسل نفسه فى السنة الماضية، فلما دار العام دورته تعامل معها المشاهدون وكأنهم لا يعرفونها ولا تعرفهم، وأطلقوا عليها سهام النقد من كل اتجاه!.
ولايزال هذا المسلسل بالذات من الأعمال القليلة جداً التى ترسم البسمة على وجوه الناس فى رمضان، ولايزال من الأعمال التى يتابعها المشاهد من سنة إلى سنة، دون شعور بالملل، ودون أن ينصرف عنه إلى مشاهدة عمل فنى آخر من نوعه.
ولم يكن هذا المسلسل هو وحده الذى تعرض للتسرع فى إطلاق الأحكام، فهناك أعمال أخرى إلى جانبه أصابتها سهام الأحكام المسبقة، ولم يملك المشاهدون ما يكفى من الصبر على المشاهدة، ولا ما يكفى من التعقل فى استقبال العمل الفنى بكل عناصره التى لا يكون العمل عملاً فنياً بغيرها.. والشىء غير المفهوم أن شيئاً من هذا لم يكن يحدث من قبل بهذا الشكل، وكان المشاهد يملك من الصبر على المشاهدة ما يجعله يتابع ما يتابعه جيداً ثم يحكم عليه، لا أن يحكم عليه ثم يشاهده بعد ذلك إذا شاء.
المشاهد بالنسبة للعمل الفنى كالقاضى بالنسبة للقضية المنظورة أمامه، وكما أن الثانى يقرأ قضيته ويدرسها قبل أن يحكم فيها، فإن على المشاهد أن يتعامل مع الأعمال الفنية بالطريقة نفسها.. هذا هو منطق الأشياء الذى لا بد منه ولا بديل عنه.. وإلا، ما كان حكم القاضى قد قيل عنه: إنه عنوان الحقيقة.