سليمان جودة
فى إمكان صانع القرار فى البلد أن يوظف ملف مركب رشيد الغارق، وأن يستثمره، وأن يحوله مع سواه من ملفات المراكب التى غرقت من قبل، من نقمة عائمة إلى نعمة جارية، إذا عرف كيف يخاطب الاتحاد الأوروبى، وإذا عرف كيف يقنعه بأن مصر تتحمل تكلفة عالية فى سبيل وقف تدفق اللاجئين إليه فى جنوب أوروبا، وأن على دول الاتحاد أن تدفع جزءاً من هذه التكلفة إذا أرادت صد الهجرة غير الشرعية بجد!
أقول ذلك لسببين، أولهما أن «مارتن شولتس»، رئيس البرلمان الأوروبى، دعا أثناء مأساة المركب إلى إبرام اتفاقية لاجئين مع القاهرة، مماثلة للاتفاقية التى أبرمها الاتحاد الأوروبى مع أنقرة، فى الشأن نفسه، قبل عدة أشهر!
والسبب الثانى أن تركيا عرفت جيداً كيف توظف هذه القضية لصالح اقتصادها، ولصالح خزانتها العامة، وهى تفاوض!
فالاتحاد فى مقره فى بروكسل جاء عليه وقت تصور فيه أن فى مقدوره أن يدغدغ مشاعر أردوغان، وأن يوهمه بأنه - أى الاتحاد - سوف يبحث فى مسألة انضمام تركيا عضواً فيه، إذا نجح الرئيس التركى فى حجز اللاجئين على أرضه، وإذا منعهم من العبور إلى أرض أوروبا، وإذا كان جاداً فى ذلك!
وما كاد الاتحاد يقول ذلك حتى كان رئيس الوزراء التركى السابق، داوود أوغلو، فى بروكسل، من أجل تحويل ما يقول به الاتحاد إلى صفقة بين الطرفين. وكان الطرف الأوروبى كلما قال إنه سوف يمنح الأتراك كذا ملياراً من اليوروهات، ثمناً لحجز اللاجئين، ردت الحكومة التركية وقالت إن المبلغ قليل، وإننا نريد كذا على وجه التحديد، فحصلت فى النهاية على مليارات لم تكن تتوقعها، ولا كانت تحلم بها!
ليس هذا فقط، وإنما كان أردوغان، ولايزال، كلما أحس بأنه فى حاجة إلى مبلغ إضافى هدد بالتوقف عن الالتزام بالاتفاقية التى أبرمها رئيس حكومته سابقاً مع الأوروبيين فى بلجيكا، وفى كل مرة كانت أوروبا تستجيب، وتدفع، ليس عن ضعف أمامه، وإنما عن إدراك أنه يمسكها من يدها التى «تُوجعها»!
لا أدعو بالطبع إلى ممارسة ابتزاز من نوع ما كان يمارسه الرئيس التركى مع الاتحاد الأوروبى، ولايزال يمارسه، وإنما أدعو إلى أن نشرح للأوروبيين أن نصف العدد الذى غرق مع مركب رشيد لم يكن من مصر، وأن أفراد هذا النصف غير المصرى كانوا من الصومال، والسودان، وإريتريا، ودول أفريقية أخرى، ليست لها شواطئ مع البحر المتوسط، وأن مصر إذا قررت مراقبة شواطئها جيداً، ومنع إبحار مراكب قادمة فى المستقبل، فإن ذلك سوف يرتب عليها تكلفة مادية تفوق طاقتها، سواء فى عملية مراقبة الشواطئ الممتدة لألف كيلومتر، أو فى إعاشة الذين لن يبحروا، والذين سوف يزاحمون مواطنيها، بالتالى، فى العيش على أرض البلد، وأنه ليس من العدل أن نتحمل هذه التكلفة وحدنا!
كلموا الاتحاد الأوروبى، كما كلمته تركيا، بدلاً من الكلام فى الفكة!