بقلم - سليمان جودة
قبل اغتياله فى ٢٠٠٥، جاء إلى القاهرة رفيق الحريرى، رئيس وزراء لبنان الأسبق، وطلب أن يجلس مع عدد من رجال الأعمال!.
وكان مما قاله فى لقائه مع الذين التقى بهم وقتها إن الضرائب فى بلاده تصل إلى ٤٠٪، وإن هذه نسبة زائدة فى تقديره على الحد المعقول، وإنه ينوى خفضها إلى حدود ١٦٪، وإنه يريد أن يصل بها إلى ما سماه: فى متناول الشرف!.
كان يقصد أن خفضها إلى هذه النسبة سوف يجعلها فى طاقة كل ممول مهما كانت أرباحه بسيطة، وأن مثل هذا الممول سوف لا يتهرب من الضريبة لو وجدها منخفضة، وسوف لا يجد مبررًا لارتكاب جريمة التهرب من دفع ضرائبه المستحقة!.. وإذا كان التهرب من الضريبة جريمة مخلة بالشرف فى الكثير من الدول، فرئيس وزراء لبنان الأسبق كان يريد إبعاد مواطنيه عن ارتكاب هذه الجريمة!.
ولكن القدر لم يمهله لتنفيذ ما كان يخطط له، وليس أقرب إلى ما كان يريده سوى ما قام به الدكتور يوسف بطرس عندما نزل بالضريبة إلى ٢٠٪ قبل ٢٥ يناير، وعندما وصل بحصيلة الدولة من الضرائب إلى رقم لم تصل إليه من قبل!.
وليس سرًا أن حجم الاقتصاد الموازى فى بلدنا كبير جدًا، وأنه يتفوق على حجم الاقتصاد الرسمى الذى يدفع ضرائبه، وأن الحكومات المتعاقبة بحثت ولاتزال عن طريقة لإدخال الاقتصاد من النوع الأول إلى الحيز الضريبى، ولكنها لم تنجح فى ذلك، وإذا كانت قد نجحت ففى حدود طفيفة!.
ولا سبيل إلى إغراء الاقتصاد الموازى بدفع ضرائبه إلا بالطريقة التى كان الحريرى يفكر بها، وإلا بنزول نسبة الضريبة إلى مستوى الأفراد الذين يمثلون جسد هذا الاقتصاد بدلًا من أن ننتظر مجيئهم لسداد ما عليهم من ضرائب بالنسبة المقررة حاليًا، سواء كانت عشرين فى المائة أو أكثر.. فجميع الذين يمارسون عملًا حرًا لا يسددون أى ضريبة على أرباحهم، أو الغالبية بينهم على الأقل، وليس فيهم أحد يعطيك فاتورة بما أخذه منك إذا ما تعاملت معه، ولا يمكن بالتالى محاسبته ضريبيًا!.
اقتراحى كالآتى: أن ننزل بنسبة الضريبة لأصحاب العمل الحر إلى عشرة فى المائة مثلًا، وأن تكون هذه مجرد بداية، ترتفع بعدها النسبة تدريجيًا لتكون فى حدود النسب المعقولة.. وإذا حدث ذلك فسوف تكون الضريبة فى متناول الشرف لكل صاحب عمل حر، وسوف يبادر بدفع ضريبته، لأن النسبة المطلوبة منه لن تغريه بالتهرب، وساعتها ستكون الدولة هى الكسبانة، وستضمن دخول الاقتصاد الموازى إلى حيز الضرائب بالتدريج، وسيكون الحريرى- يرحمه الله- قد أهدانا حلًا ساحرًا من حيث لا يدرى!.