توقيت القاهرة المحلي 19:17:07 آخر تحديث
  مصر اليوم -

من وثيقة في أبوظبي إلى سيرة في دبي!

  مصر اليوم -

من وثيقة في أبوظبي إلى سيرة في دبي

بقلم - سليمان جودة

شيء من بين أشياء كان ولا يزال يستوقفني في كتاب السيرة الذاتية الذي أصدره الشيخ محمد بن راشد عن حياته حاكماً لدبي ونائباً لرئيس الدولة في الإمارات ورئيساً لمجلس الوزراء، فجعله بهذا العنوان: قصتي... خمسون قصة في خمسين سنة.
ولو أن الشيخ محمد بن زايد، الذي جرى انتخابه رئيساً للدولة قبل أيام، كتب سيرته ذات يوم، فسوف يستوقفني فيها شيء يشبه ذلك الشيء الذي استوقفني في كتاب حاكم دبي.
أما الشيء الأول فهو يتمثل في واحد من أبعاد إمارة دبي باعتبارها قصة من قصص النجاح، وباعتبار أن صاحب القصة والسيرة يتمنى لو كان في أرض العرب أكثر من دبي، ويتمنى لو استطاع نقلها إلى كل عاصمة عربية على خريطة المنطقة.
وهو لا يتمنى ذلك نظرياً، ولكنه لا يترك فرصة في هذا الاتجاه، إلا ويحاول أن ينقل من خلالها تجربة إمارته من مكانها بين الإمارات السبع، إلى حيث يريد أي مسؤول عربي يكون جاداً في رغبته، ويكون على قدر المسؤولية التي تفرضها هذه الرغبة.
وهو أيضاً يروي في سيرته قصتين لهما اتصال بهذا الموضوع، إحداهما كانت يوم أن جاء الرئيس السوري بشار الأسد إلى دبي قبل سنوات، ويوم أن راح يتفرج عليها، ويوم أن كان يفعل ذلك عن أمنية في داخله، في أن يكون في بلاده ذات يوم شيء مما في هذه التجربة. ولكنّ ظروفاً لاحقة قد حالت دون ما كان الرئيس الأسد يفكر فيه، وهو يروح ويجيء متجولاً في أنحاء الإمارة الشهيرة!
والقصة الثانية كانت مع العقيد معمر القذافي، الذي أرسل إلى الشيخ محمد بن راشد يدعوه إلى أن يساعد الليبيين في أن تكون لديهم دبي ليبية. ولم يتأخر حاكم دبي فأرسل وزيره محمد القرقاوي يستطلع الأمر، ثم جاء بنفسه بعدها يزيد الأمر استطلاعاً، وقد بدأ استطلاعه بجولة قام بها بعيداً عن الرسميات والبروتوكولات في طرابلس القديمة، ولكنها لسوء الحظ لم تكن جولة مشجعة لأسباب كثيرة شرحها في كتابه لمن أراد أن يعود إليها.
أذهله يومها أن تكون هذه هي حالة طرابلس القديمة التي لا تسُر أحداً، وأذهله أن تكون ليبيا دولة ممتلئة بالنفط وبالثروات، ثم يكون هذا هو حال عاصمتها البائسة، ولكن تلك قصة أخرى قدمها في الكتاب بكل تفاصيلها لمن شاء أن يطالعها بمعانيها المحزنة.
ومع ذلك، فليس هذا هو الموضوع في القصة على بعضها، وإنما الموضوع أن صاحب تجربة النهضة في دبي لم يكن منذ البداية يحب أن يستأثر بأسرارها، ولا كان يريدها مقصورة على دولة الإمارات، ولا كان يفضل أن تكون في أرضنا العربية دبي واحدة، ولا كان يعجبه أن تكون دبي مثل بيضة الديك التي توصف دائماً بأنها لا مثيل لها، ولكنه كان يقفز فوق هذا كله، وكان يتجاوز هذا كله، ويبحث عن مناسبة ينتهزها لنقل أسرار تجربته إلى كل قطر عربي إذا أراد هذا القطر العربي أو شاء.
إن صاحب التجربة يريدها تجربة متاحة في كل أرض عربية، وهو يريدها منسوخة في كل بلد عربي، لأنه يرى نجاح إمارته في نجاح محيطها العربي من حولها، ويرى سعادة أبناء الإمارة في سعادة الذين يتنفسون هواء المنطقة حولهم، ولم يكن ذهابه ولا ذهاب وزيره القرقاوي إلى طرابلس، إلا تعبيراً عن شعوره بأن قوة دبي الحقيقية في أن تعطي ما حولها من تجربتها، ومن تميزها، ومن تفوقها، ثم في أن تفرش مظلتها لتشمل معها الذين يحبون اللحاق بشيء من ملامح العصر.
وهذا هو المعنى في القصة، وأهم ما فيه أنه يقول إن دبي أرادت أن تتجاوز في نظرتها إلى محيطها العربي ما يفرق من أمور السياسة، وأن تنحي السياسي جانباً وتقدم ما سواها في البناء والعمران، وأن تجعل همها في اتجاه ما يأخذ من حكايتها ليضيف إلى الآخرين، وهي ترحب بذلك وتسارع إليه ولا تتأخر، إذا ما جاءتها دعوة من نوع ما جاءتها أيام العقيد.
كانت صادقة في الاستجابة للدعوة الليبية حين جاءت من القذافي، وكانت التفاصيل المروية في السيرة الذاتية تشير إلى ذلك وتؤكده، وكانت دبي تريد أن ترى نفسها في دبي أخرى في ليبيا، وفي دبي ثالثة في سوريا، وربما في دبي رابعة في كل ركن عربي آخر، وفي خامسة وفي سادسة، وقد صح منها العزم كما قال الشاعر، لولا أن الدهر أبى!
ولو كتب الشيخ محمد بن زايد سيرة ذاتية في مستقبل الأيام، فسوف يجد نفسه على موعد مع حكاية مشابهة، من حيث الطبيعة والمضمون والهدف، وسوف تعود وقائع هذه الحكاية إلى الرابع من فبراير (شباط) 2019، عندما دعت أبوظبي الدكتور أحمد الطيب، شيخ الأزهر، والبابا فرنسيس الأول، بابا الفاتيكان، إلى لقاء جرى على أرضها وكان حديث الإعلام في أرجاء العالم.
كان اللقاء بين القمتين الدينيتين هو الأول من نوعه بينهما، وكانت الصورة يومها تجمعهما مع الشيخ محمد بن زايد والشيخ محمد بن راشد، وكانت المناسبة هي توقيع «وثيقة الأخوة الإنسانية» التي صارت من بعدها عملاً من أعمال البنيان الأخلاقي الذي لا يزال ينقص عالمنا المعاصر.
ولم يكن من الممكن أن تنعقد قمة على هذا المستوى الديني الرفيع في موعدها، وفي مكانها، ولا كان من الممكن أن تنجح، ولا أن تكون حديث العالم، لو أن العاصمة الإماراتية لم تبادر إلى احتضانها، ولو أن الشيخ محمد بن زايد، وقد كان ولياً لعهد أبوظبي وقتها، لم يرحب برعايتها، ولو أنه لم يتعهد بمواصلة العمل بعد ذلك لتكون وثيقة إنسانية للعالم، لا للإمارات، ولا للعرب، ولا للإقليم.
كان انعقاد القمة قد جاء قبل هجوم فيروس «كورونا» على العالم بشهور معدودة، وكان إصدار الوثيقة قد جرى قبل انشغال العالم بالوباء ومتحوراته التي لا تزال تقاوم، ولم يكن العالم في حاجة إلى شيء مع بدء ظهور الفيروس فيه، قدر حاجته إلى وثيقة تؤسس لما عاشت الوثيقة ترسّخ له منذ يومها الأول.
وبقدر ما كان ذهاب دبي بتجربتها إلى ليبيا ذهاباً في مكانه، بقدر ما كانت محاولة ذهابها إلى دمشق ذهاباً في مكانه أيضاً. وقد كان ذلك يتم عن إحساس لديها بمسؤولية عربية، وكان يتم عن شعور عندها بواجب عربي لا تكتمل عربيتها إلا بوجوده، وإلا بممارسته في سماء أرض العرب وفضائها.
وكان ذهاب أبوظبي إلى انعقاد قمة الشيخ والبابا على أرضها ذهاباً في موعده، وكان توقيع الوثيقة حدثاً يجيء في توقيته، لأن عواصم الكوكب لم تكتشف حاجتها إلى كل ما هو إنساني، إلا في اللحظة التي أطل خلالها الوباء برأسه من ووهان في الصين، ثم راح يتجول في أرجاء الأرض!
والفكرة هنا أن دبي عاشت على اعتقاد لديها بأن كل عربي له فيها نصيب، وأنها مستعدة للذهاب بنصيبه فيها إليه حيث هو في بلده، فلا تنتظر حتى يأتي إليها حيث هي. والفكرة أيضاً أن أبوظبي تعيش على اعتقاد مماثل بأن كل إنسان له فيها نصيب، وأنها بتوقيع الوثيقة كانت تمارس هذا الاعتقاد، وكانت تضعه حيث يجب أن يكون مكتوباً في وثيقة محفوظة!
وكان نص الوثيقة قد بدأ بعبارة تقول: باسم الله الذي خلق البشر جميعاً متساوين في الحقوق والواجبات، ودعاهم للعيش كإخوة فيما بينهم ليعمروا الأرض، وينشروا فيها قيم الخير والمحبة والسلام. وانتهى النص بعبارة تقول: لتكن هذه الوثيقة دعوة للمصالحة بين جميع المؤمنين بالأديان، بل بين المؤمنين وغير المؤمنين، وكل الأشخاص ذوي الإرادة الصالحة.
وسوف تظل كل عبارة من العبارتين أقرب ما تكون إلى قطرة الماء، التي تستطيع أنت منها أن تتعرف على مذاق ماء البحر كله، دون أن تكون في حاجة إلى أن تشربه عن آخره!
من الوثيقة إلى السيرة تستطيع أن تقرأ كيف ترى أبوظبي دورها الإنساني، وكيف تتطلع دبي إلى ملامح وجهها العمراني.

 

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

من وثيقة في أبوظبي إلى سيرة في دبي من وثيقة في أبوظبي إلى سيرة في دبي



GMT 10:17 2024 الإثنين ,18 تشرين الثاني / نوفمبر

ممدوح عباس!

GMT 10:15 2024 الإثنين ,18 تشرين الثاني / نوفمبر

القديم والجديد؟!

GMT 08:33 2024 السبت ,02 تشرين الثاني / نوفمبر

فرنسا تتصالح مع نفسها في المغرب

GMT 03:37 2024 الأحد ,13 تشرين الأول / أكتوبر

حزب المحافظين البريطاني: «لليمين دُرْ»!

GMT 23:09 2024 الأحد ,06 تشرين الأول / أكتوبر

هل يمكن خلق الدولة في لبنان؟

إطلالات هند صبري مصدر إلهام للمرأة العصرية الأنيقة

القاهرة ـ مصر اليوم

GMT 18:52 2024 الإثنين ,25 تشرين الثاني / نوفمبر

روسيا تتعاون مع الحوثيين لتجنيد يمنيين للقتال في أوكرانيا
  مصر اليوم - روسيا تتعاون مع الحوثيين لتجنيد يمنيين للقتال في أوكرانيا

GMT 17:00 2024 الإثنين ,25 تشرين الثاني / نوفمبر

الإجازات الرسمية في مصر لعام 2025 جدول شامل للطلاب والموظفين
  مصر اليوم - الإجازات الرسمية في مصر لعام 2025 جدول شامل للطلاب والموظفين

GMT 09:22 2024 الإثنين ,25 تشرين الثاني / نوفمبر

دراسة تحذر من أن الأسبرين قد يزيد خطر الإصابة بالخرف
  مصر اليوم - دراسة تحذر من أن الأسبرين قد يزيد خطر الإصابة بالخرف

GMT 10:52 2024 الأحد ,24 تشرين الثاني / نوفمبر

انطلاق الدورة الثانية من مهرجان الشارقة للسيارات القديمة
  مصر اليوم - انطلاق الدورة الثانية من مهرجان الشارقة للسيارات القديمة

GMT 10:38 2024 الأحد ,24 تشرين الثاني / نوفمبر

واتساب يتيح تحويل الرسائل الصوتية إلى نصوص تشمل العربية
  مصر اليوم - واتساب يتيح تحويل الرسائل الصوتية إلى نصوص تشمل العربية

GMT 10:55 2024 الثلاثاء ,19 تشرين الثاني / نوفمبر

رأس شيطان ضمن أفضل 10 مناطق للغطس في العالم

GMT 21:33 2024 الثلاثاء ,19 تشرين الثاني / نوفمبر

يسرا تشارك في حفل توقيع كتاب «فن الخيال» لميرفت أبو عوف

GMT 15:36 2021 الخميس ,22 تموز / يوليو

بريشة : ناجي العلي

GMT 09:48 2024 الأربعاء ,20 تشرين الثاني / نوفمبر

منى عبد الغني توجّه رسالة إلى محمد صلاح

GMT 17:26 2024 الأربعاء ,20 تشرين الثاني / نوفمبر

مواقيت الصلاة في مصر اليوم الأربعاء 20 نوفمبر /تشرين الثاني 2024

GMT 15:47 2021 الخميس ,22 تموز / يوليو

بريشة : سعيد الفرماوي

GMT 15:45 2021 الخميس ,22 تموز / يوليو

بريشة : سعيد الفرماوي

GMT 11:09 2024 الأربعاء ,20 تشرين الثاني / نوفمبر

الملكة رانيا ترد على رسالة طالب جامعي بطريقة طريفة

GMT 11:06 2024 الثلاثاء ,19 تشرين الثاني / نوفمبر

وكالة فيتش ترفع التصنيف الائتماني للبنوك المصرية

GMT 19:10 2020 الجمعة ,25 أيلول / سبتمبر

أسعار الكتاكيت في مصر اليوم الجمعة 25 سبتمبر 2020

GMT 15:28 2017 الأربعاء ,20 كانون الأول / ديسمبر

تعيين تركي آل الشيخ رئيسًا للاتحاد العربي لكرة القدم

GMT 16:33 2016 الخميس ,14 إبريل / نيسان

جلوس صيف 2016 تتألق باللون الرمادي

GMT 17:06 2021 الثلاثاء ,07 أيلول / سبتمبر

لطيفة تطرح كليبها "الأستاذ" برفقة شقيق أمير كرارة
 
Egypt-today

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

egypttoday egypttoday egypttoday egypttoday
Egypttoday Egypttoday Egypttoday
Egypttoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
Egypt, Lebanan, Lebanon