بقلم-سليمان جودة
لاتزال السياسة قادرة على أن تُفرق ما يجمع بين أى رفيقين، وعندنا الكثير من الأمثلة، وربما يكون مثال عبدالناصر وعبدالحكيم عامر هو أقوى الأمثلة.. فلم يكن أحد أقرب إلى عبدالناصر فى تنظيم مجلس قيادة الثورة، وفى تنظيم الضباط الأحرار كله، من عامر.. ولا كان هناك أحد أقرب إلى عامر فى التنظيمين من ناصر.. فإذا بهما فى سبتمبر ١٩٦٧: كل واحد فى طريق، لا علاقة له بطريق الآخر.. وهى قصة طويلة!.
ولا يختلف الحال فى بنجلاديش هذه الأيام عن حال ناصر وعامر فى ستينيات القرن الماضى، ولابد أن كل قارئ لنتائج انتخابات البرلمان التى جرى الإعلان عنها هناك أول هذا الشهر سوف يرى ذلك بوضوح شديد، وسوف تدهشه وجوه الشبه!.
فالانتخابات قد جاءت بالسيدة حسينة واجد على رأس الحكومة للمرة الثالثة على التوالى، بعد أن فاز حزبها بأغلبية كاسحة من الأصوات فى بلد يصل تعداد سكانه إلى ١٦٠ مليون نسمة، غالبيتهم من المسلمين، ويقع على حدود مباشرة مع الهند، وكان فى السابق اسمه باكستان الشرقية!.
والشيخة حسينة هى ابنة الشيخ مجيب الرحمن، أول رئيس للبلد بعد انفصاله عن باكستان الحالية، وفى سنوات سابقة كانت البلاد تعرف سيدتين على رأس الحكومة لا ثالث لهما: الشيخة حسينة والشيخة خالدة ضياء.. وكانت الشيختان تتبادلان الحكم والمعارضة، وكان بينهما تحالف لا ينفصم فى البداية، فلما دارت الأيام دورتها، ولما تداخلت السياسة بينهما، تربعت الأولى على قمة الحكومة، وذهبت الثانية إلى السجن!.
ولم تختلف نهاية الطريق بينهما كثيراً عن خاتمة الطريق الذى مضى فيه عبدالناصر وعبدالحكيم عامر، فما بينهما كان أقوى مما كان بين حسينة وخالدة.. كان ذات يوم!.
وما كان يوماً بين الرئيس التركى رجب طيب أردوغان وفتح الله جولن، رئيس حركة خدمة الإسلامية، أمر شبيه إلى حد بعيد.. فلقد كانا حليفين، وكان طريقهما مشتركاً، وكان هدفهما واحداً، وكان كلاهما يرى فى الآخر رفيق طريق!.
أما الآن، فالأول على رأس الدولة التركية، والثانى فى منفاه فى الولايات المتحدة الأمريكية من عشرين عاماً.. ليس هذا فقط.. ولكن أردوغان لايزال يرى أن جولن كان وراء محاولة الانقلاب التى جرت عليه فى منتصف ٢٠١٦، ولايزال يطالب الإدارة الأمريكية بتسليمه، ولاتزال إدارة الرئيس دونالد ترامب تغازله بالموضوع وتلاعبه، تماماً كما فعلت إدارات أمريكية سابقة مع الرئيس مبارك بالشيخ عمر عبدالرحمن!.
فالحليفان التركيان صارا خصمين لدودين، وصار أحدهما ورقة فى يد الأمريكان يلعبون بها فى كل مناسبة، ويلوحون بها فى وجه أردوغان فى كل محفل!.
وكانت كلمة السر فى الأمثلة الثلاثة، وفى غيرها مما يماثلها، كلمة واحدة هى: السياسة!.
نقلا عن المصري اليوم
المقال يعبّر عن رأي الكاتب وليس بالضرورة رأي الموقع