بقلم سليمان جودة
أدعو المهندس شريف إسماعيل إلى أن يطلب تقريراً من مكتبه حول قرار التوقيت الصيفى الذى اتخذه رئيس فنزويلا فى بلاده قبل يومين!
إن فنزويلا، لمن لا يعرف، عضو بارز فى منظمة «أوبك» التى تتخذ النمسا مقراً لها، وتضم فى عضويتها أكبر الدول المصدرة للبترول عالمياً، ولأن أسعاره تراجعت خلال العام الأخير إلى ثلث ما كانت عليه من قبل، ولأن الدول التى كانت تصدره وتحصل من ورائه على عائد يتدفق فى خزائنها بلا حساب، قد وجدت نفسها بلا عوائد مجزية فجأة، فإنها قررت أن تتصرف، وألا تقف لتتفرج!
رئيس فنزويلا قرّر تقديم الساعة 30 دقيقة، وفى المقابل فإننا قدّمناها ساعة، ابتداء من 7 يوليو المقبل، ولكن الفارق أنهم هناك حسبوها بالورقة والقلم، ولم نحسبها نحن، لا بالورقة ولا بالقلم، وكان دليل الحساب عندهم أن الرئيس أعلن عن أن البلد يواجه أزمة فى الطاقة، وأن ترشيد استهلاكها لا بديل عنه، وأن تقديم الساعة 30 دقيقة سوف يُطيل النهار نصف ساعة، وأن هذا سوف يوفر من الطاقة بمقدار كذا، وأن القرار صدر لهذا السبب، وأنهم جميعاً مدعوون للمشاركة فى إنجاحه وتحقيق أهدافه.
وعندما قرر مجلس الوزراء تقديم الساعة من أول 7 يوليو، اتخذه وأعلنه على الناس، دون أن يشرح لهم الأسباب، فهو قرار وفقط، مع أن أسبابه هى نفسها أسبابه فى فنزويلا، ولكن الفارق هو بين حاكم هناك يعبئ المواطنين من أجل توفير أكبر قدر ممكن من الطاقة، فى بلد يمتلئ أرضه بالبترول، وبين حكومة هنا لا بترول عندها، ومع ذلك اتخذت القرار، ولم تكلف خاطرها لبيان أسبابه لمواطنيها، وكأنه قرار بلا سبب، وبلا أثر فى استهلاك الطاقة!
إننا نستهلك من الطاقة ومن المياه أضعاف أضعاف ما نحتاجه فعلًا، وعندى يقين فى أن الطاقة المستهلكة لدينا، يومياً، تكفى بلدين فى مثل عدد سكاننا، وربما أكثر، وكذلك الحال بالضبط، فى مياه الشرب، ولو أنت راقبت عن بُعد الطريقة التى يتعامل بها أغلبنا مع لمبة الكهرباء فى بيته وفى عمله ومع حنفية المياه، فسوف ترى مدى السفاهة التى تتعامل بها غالبيتنا الكبيرة معها.. والغريب أننا نشكو بعد ذلك من ارتفاع فاتورة الكهرباء ومن شُحّ المياه!
قرار التوقيت الصيفى كان موجوداً قبل 25 يناير، ولكن جرى إلغاؤه بعدها، ثم جرى حوله استفتاء، ثم عاد على يد «إسماعيل»، ثم سوف يأتى رئيس وزراء جديد، فيما بعد، ليقرر إلغاءه، ونظل ندور فى الحلقة المفرغة نفسها، وفى كل الأحوال يفتقد المصريون شرح الأسباب، فتكون النتيجة أنهم يتصرفون فى كميات الطاقة والماء التى يستهلكونها بالأسلوب السفيه نفسه، سواء غاب التوقيت الصيفى أو حضر!
الحكومة.. أى حكومة.. لا يمكن أن تحقق إنجازاً ما لم يكن شعبها ظهيراً لها، وهو لن يكون كذلك إلا إذا أحسّ بأنها تُشرِكه فى كل ما تتخذ من قرارات، وتضع له اعتبارًا، وعندما يغيب الإشراك، ومعه الاعتبار، كما حدث فى قرار التوقيت، فإن الحكومة تظل تحكم شعباً لا يعرفها ولا تعرفه!