سليمان جودة
أفهم أن نحرص على نقل تجارب العالم إلينا بأى طريقة، وأفهم أيضاً أن يطير وفد رسمى من عندنا، لنقل هذه التجارب من وقت لآخر، ثم أفهم كذلك أن يكون هذا الحرص مضاعفاً، إذا ما تعلق الأمر بالتعليم فى العالم من حولنا.. أفهمه، وأتحمس له، وأشجع عليه!
لكن.. أن يكون الوفد الرسمى المسافر من 17 شخصاً، فهذا هو الجديد حقاً، وهذا هو الذى أظن أن دولاً أخرى سوف تأخذه عنا، إذا ما أرادت أن تتفنن فى إهدار المال العام!
هل يعلم المهندس شريف إسماعيل أن وفداً رسمياً من 17.. نعم 17 شخصاً.. سوف يطير إلى لندن، يوم 28 من هذا الشهر، لنقل ما يمكن أن يفيدنا فى تطوير تعليمنا؟!
إننى أسأل: كم سوف يتكلف سفر وفد رسمى بهذا العدد؟!.. وكم سوف تتكلف إقامته فى عاصمة توصف دائماً بأنها الأغلى عالمياً دون منافس؟!.. وكم سوف يحصل عليه أعضاؤه من بدلات السفر؟!.. بل كيف سيتحرك وفد بهذا الحجم فى عاصمة الضباب؟!.. وإذا كان أى مسؤول بريطانى سوف يستقبله، فأين هو المسؤول الذى يستطيع استقبال 17 شخصاً فى وقت واحد، وفى مكان واحد؟!
لقد عشنا نعرف أن الوفود الرسمية تكون فى العادة من ثلاثة مسؤولين، أو أربعة، أو حتى خمسة على أقصى تقدير.. أما أن يكونوا 17، وأن يكون ذلك فى دولة لها ظروفنا الاقتصادية الحادة التى نعيشها، فأغلب الظن أن موسوعة «جينيس» سوف تدرج وفدنا المسافر إلى بريطانيا، ضمن النوادر التى ترصدها فى أنحاء الأرض!
لا يفتح المواطن عينيه على أى صحيفة، ولا يطل فوق أى شاشة، إلا ويقرأ، ثم يسمع، عن صعوبة الوضع الاقتصادى، وعن شدته، وعن تصاعد هذه الشدة يوماً بعد يوم.. ثم يقرأ، ويسمع، عن أننا مدعوون، كحكومة، إلى نوع من الرشادة فى الإنفاق العام، وإلى أن ننفق كل جنيه فى مكانه الصحيح، وإلى أن نراعى أن الحال لا يحتمل إهدار أى قرش فى غير مكانه!
يسمع المواطن هذا، ويقرأ عنه، فى كل مرة يفتح عينيه على أى وسيلة إعلامية، فإذا تلفت المواطن نفسه فى أى اتجاه، اكتشف أنه وحده الذى يعانى، وأن السفه فى الإنفاق العام آفة لا تريد أن تفارقنا، وأن العبث بالمال العام قاعدة، لا استثناء فى بلدنا!
إذا كان المهندس شريف إسماعيل لا يرضى عن سفر وفد رسمى، بهذه التكلفة، فنرجوه أن يستخدم سلطات رئيس الحكومة فى الحفاظ على المال العام، وإذا كان هذا يرضيه، فإنى أعتذر عن إزعاجه!