بقلم - سليمان جودة
تقول النكتة السياسية إن الزعيم ليونيد بريجنيف كان وقت وجوده على رأس الاتحاد السوفيتى السابق مغرماً بالبحث عن جهاز يقرأ المستقبل السياسى لبلاده، فلما وقع فى يديه جهاز يجيد هذه القراءة، سأله عن شكل مستقبل الاتحاد، فأجاب الجهاز بأغرب إجابة يمكن أن يسمعها زعيم سوفيتى!.
بادر جهاز قراءة المستقبل، فطلب معلومات عن دول المنطقة المحيطة بالاتحاد، ثم جاءت إجابته عن السؤال فى جملة من خمس كلمات تقول: الحدود الصينية الفنلندية هادئة تماماً!.
والنكتة بهذا الشكل تبدو لاذعة للغاية وغامضة أيضاً.. ولابد أن «بريجنيف» قد أصابه الفزع حين سمع بها، كما لابد أن كل مَن سمع بها فى حينها لم يستوعب معناها، إلا بعد أن ألقى نظرة على خريطة المنطقة المحيطة بالدولة المراد قراءة مستقبلها.. إن فهم هذه النكتة فى حاجة إلى معرفة مسبقة بموقع الصين على خريطة العالم.. وكذلك موقع فنلندا.. ثم موقعهما معاً من الاتحاد!.
وكان المعنى الواضح للنكتة أن وجود حدود مباشرة للصين مع فنلندا معناه اجتياح صينى للأراضى السوفيتية بكاملها.. ففنلندا فى الشمال، والصين فى الجنوب وجنوب الشرق، وبينهما ينام الاتحاد السوفيتى.. وقتها.. على أكبر مساحة تنام عليها دولة على وجه الأرض!.
فمساحته كانت 24 مليون كيلومتر مربع، وهى مساحة تزيد على مساحة الولايات المتحدة الأمريكية مرة ونصف المرة!.
وكان المعنى الأوضح للنكتة أن الصين قادمة، وأنها سوف تجتاح كل شىء فى طريقها، وأن شيئاً لن يعترضها بما فى ذلك الاتحاد السوفيتى بجلالة قدره.. وكان ذلك بالطبع وقت أن كان له جلال، وقبل أن ينهار ويتداعى فتستقل عنه 15 جمهورية كانت تحتمى بحماه!.
فهل كانت هذه نبوءة مبكرة بمجىء الصين على ما هى عليه هذه الأيام؟!.. ربما.. فقبل انهيار السوفييت عام 1991 لم تكن بكين تدخل فى مقارنة مع العواصم الكبيرة فى العالم، ولكن سرعان ما صارت تمثل الاقتصاد الثالث بعد الولايات المتحدة واليابان، ثم أصبحت الثانية فى أعوام معدودة، وتسعى حالياً لتكون الاقتصاد الأول، فتتجاوز أمريكا ذاتها!.
هذه هى الصين التى زارها الرئيس، وهى قد فعلت هذا وتفعله بكلمتين اثنتين: العمل الذى يعرف الإبداع، والإنتاج الذى يقترن بالإتقان.. ولا كلمة ثالثة بينهما، أو بعدهما، أو قبلهما!.
نقلًا عن المصري اليوم
المقال يعبّر عن رأي الكاتب وليس بالضرورة رأي الموقع