بقلم - سليمان جودة
فى المعركة الحالية بين البنك المركزى ووزارة المالية، حول سرية الحسابات المصرفية لعملاء البنوك، تمنيتُ لو أن المعركة كانت حول شىء آخر أعم وأهم بكثير!.
فالمالية تريد، من خلال مصلحة الضرائب التابعة لها، تعديل قانون الضريبة بما يسمح لها بالاطلاع على حسابات الأشخاص والجهات.. أما الهدف المعلن من جانبها فهو تمكينها من تحصيل حق الدولة من أشخاص يتهربون ضرائبياً.. وكذلك من جهات تمارس نفس السلوك!.
والسيد طارق عامر، محافظ المركزى، يرفض من جانبه منح هذا الحق للمالية، تحت أى ظرف، وتحت أى مسمى.. وهذا حقه بكل تأكيد.. ليس عن رغبة من ناحيتى فى الوقوف معه ضد الدكتور محمد معيط.. فتقديرى لهما محفوظ.. ولكن لأن كلام عامر أقرب إلى المنطق، وإلى العقل السليم، ثم إلى مبادئ عمل البنوك المركزية الصحيحة.. إن المحافظ عامر يقول فى مقام الدفاع عن حقه فى الحفاظ على سرية حسابات العملاء، إنه من موقعه كمحافظ يبقى أميناً على مدخرات الوطن، المتمثلة فى مدخرات الأشخاص والجهات!.
وهذا كلام فى محله تماماً.. وإلا.. فإن المدخرات، خصوصاً التى يملكها أفراد، سوف تنسحب من البنوك، لتعود تحت البلاطة!.. ولا أظن أن الدكتور معيط، كوزير للمالية، الذى يستطيع التعامل مع التهرب الضريبى بوسائل أخرى، سوف يحتمل وضعاً من هذا النوع!.. ولذلك فهى قضية محسومة مُقدماً لصالح المحافظ!.. ولابد أن تكون وجهة نظره محل احترام كامل!.
القضية الأعم والأهم هى مدى رضا المركزى عن السياسة المالية التى تتبعها الحكومة، بشكل عام، وتتبعها وزارة المالية بشكل خاص.. ففى العالم كله سياستان يقوم عليهما اقتصاد أى بلد ويصعد: السياسة المالية التى تظل الحكومة من خلال وزارة ماليتها مسؤولة عنها، وعن انضباطها بالأساس.. ثم السياسة النقدية التى يظل البنك المركزى مسؤولاً عنها من الألف إلى الياء!.
والسياسة الأولى تعنى، باختصار، أن تنضبط الحكومة فى إنفاقها العام، وأن تكون قضية الإنتاج شاغلة لها فى اليقظة وفى المنام، فإذا لم يحدث هذا فإنها تدق باب المركزى وتطلب طبع المزيد من الفلوس، لتغطى بها على عدم انضباط إنفاقها العام، وعدم وضع قضية الإنتاج على رأس أولوياتها.. وفى الغالب يرفض المحافظ طبع المزيد من أوراق البنكنوت، وينصح الحكومة فى رفق بأن تفعل كذا وكذا، وبألا تدق بابه من جديد، إلا إذا فعلت كيت وكيت، لأنه بنك مركزى له سياسته الثابتة، وليس مجرد مطبعة!.
طمنّا يا سيادة المحافظ.. فهذه مسؤوليتك!.
نقلًا عن المصري اليوم
المقال يعبّر عن رأي الكاتب وليس بالضرورة رأي الموقع