بقلم - سليمان جودة
يتداول بعضنا فى أحيان كثيرة خبراً تنشره الصحافة عن مسؤول أوروبى كبير، يقود سيارته بنفسه هنا أو هناك، فيقف فى إشارة المرور، ويلتزم بها تماماً، ويحترمها شأنه شأن أى مواطن عادى، وقد يشير للناس بيده على سبيل التحية من بعيد!.
نتداول ذلك ونرويه فى أكثر من مرة، ربما للسخرية من أنفسنا، ثم نتجاوزه عابرين، دون أن نلتفت إلى جوهر مثل هذا الموقف، ومضمونه، ومحتواه الحقيقى!.
فالمسؤول الأوروبى الذى يتصرف على هذه الصورة لا يفعل ذلك على سبيل المظهرة، ولا لأنه يراهن.. مثلاً.. على أن يصوره أحد بالصدفة، وينشر الصورة التى سوف تدل على تواضعه بالضرورة، ولا يفعلها لأنه.. مثلاً مثلاً.. يريد أن يتحرر من قيود البروتوكول، والرسميات، والشكليات، وحسب!.
هو لا يفعلها من أجل شىء من هذا أبداً، ولكنه يفعلها لأنه على يقين من أنه سيقف أمام العدالة إذا خالف إشارة المرور، بالضبط كما يقف أى مواطن من آحاد المواطنين، ولن يختلف حال المسؤول ساعتها عن حال مرتكب أى جريمة أخرى.. فالجرائم فى هذه الحالة سواء، ولا فرق بين قاتل، أو سارق، وبين كاسر إشارة المرور!.
القانون هو روح الدولة.. إذا غاب عنها غابت الروح فيها، وصارت جسداً لا روح فيه، وأصبحت هيكلاً لا نبض فيه ولا حياة!.
وأنت إذا صادفت دولة يقف مسؤولوها فى المرور، ويحترمون إشاراته، فاعرف على الفور أن تصرفاً من هذا النوع هو فى النهاية عنوان للدولة ذاتها، لأن المسؤول الذى يتحسب للمخالفة المرورية، ويرى فيها خرقاً للقانون لا يجوز أن يرتكبه، سوف يكون هذا هو عنوان سلوكه على كل مستوى آخر، وسوف يكون هذا أيضاً هو عنوان الدولة كلها، ثم سبيلها إلى أن تكون لها مكانة، لا مجرد مكان بين الأمم!.
وقديماً حكموا بالإعدام على سقراط، فيلسوف اليونان الأعظم، وعندما كان على مسافة ساعات من تنفيذ الحكم، جاءه بعض تلامذته يعرضون عليه خطة وضعوها لتهريبه، وضمنوا له نجاحها، فكان الرفض المطلق هو موقفه، وكانت آخر عباراته: إننى أفضل احترام القانون على النجاة بحياتى!.. ثم تجرع السم الذى حكموا به عليه إلى أن سقط فى مكانه!.
وقد عاش سقراط إلى اليوم، وسوف يعيش، وكذلك بلاده، لأن احترام القانون هو عنوان الأمم المتطورة، وهو طريقها إلى المستقبل!.
نقلًا عن المصري اليوم
المقال يعبّر عن رأي الكاتب وليس بالضرورة رأي الموقع