توقيت القاهرة المحلي 06:28:33 آخر تحديث
  مصر اليوم -

هذا ما يقول به تاريخ الصراع

  مصر اليوم -

هذا ما يقول به تاريخ الصراع

بقلم - سليمان جودة

عندما أحرز العرب نصر أكتوبر (تشرين الأول) 1973، كان حزب العمل هو الذي يحكم في تل أبيب، وكانت غولدا مائير على رأس الحكومة، وكان موشي ديان على رأس وزارة الدفاع، وكان ديفيد أليعازر على رأس رئاسة أركان الجيش، وكان إيلي زعيرا على رأس المخابرات العسكرية.

وحين وضعت الحرب أوزارها في تلك السنة، ذهب الأربعة إلى لجنة أجرانات الشهيرة، ووقفوا أمامها كما يقف المتهم أمام العدالة، وراحت اللجنة تسألهم وتُسائلهم جميعاً، وخرجوا منها مُدانين أمام الإسرائيليين، قبل أن تدينهم هي وتضع مسؤولية الهزيمة التي لحقت بإسرائيل في رقبة كل واحد فيهم، وبغير أن تستثني منهم أحداً.

وكان لا بد أن تذهب غولدا مائير عن رئاسة الحكومة، فذهبت بالفعل وقدمت استقالتها في 1974. ومن بعدها جاء إسحاق رابين رئيساً لحكومة العمل نفسها، ولم يحدث أن قاد عملية للسلام وقتها، رغم اشتهاره لاحقاً بجنوحه إلى السلم، ورغم الحديث الدائم عن أن اغتياله في 1995 كان بسبب إيمانه بالسلام وسعيه في طريقه عن يقين فيه.

ولما خرج رابين من الحكم خرج معه العمل، وجاء في مكانه «الليكود» بزعامة مناحم بيغن، الذي عمل مع السادات إلى أن جرى توقيع معاهدة السلام المصرية - الإسرائيلية.

وإذا ما جربت أن تقارن بين المبادئ السياسية التي يؤمن بها كل حزب منهما ويتبعها في مقاعد الحكم، سترى أن «الليكود» أكثر تشدداً من «العمل»، الذي يبدو في سياساته أميل ما يكون إلى الاعتدال، وإن كان مفهوم الاعتدال في هذا السياق يظل نسبياً، لأن ما يراه العمل اعتدالاً في السياسات المتبَعة من جانبه تجاه الفلسطينيين بالذات، وتجاه بقية العرب في أنحاء الإقليم، يمكن ألا يكون اعتدالاً في نظر كثيرين في المنطقة.

ومع ذلك، فالحزب الذي تابع مفاوضات كامب ديفيد مع القاهرة في 1978، والذي وضع توقيعه على معاهدة السلام في السنة التالية، كان هو «الليكود» لا «العمل»، وكانت هذه مفارقة في حد ذاتها، لأن المنطق يقول العكس.

ولكن بقليل من التأمل تكتشف أنه لا مفارقة في الموضوع، لأن «الليكود» المتشدد يظل محل ثقة الإسرائيليين إذا دخل في أي مفاوضات مع أي طرف فلسطيني أو عربي، ومصدر الثقة في نظر مواطنيه أن تشدده سيمنعه من تقديم تنازلات، ولكن العكس وارد في حالة حزب العمل، لأن اعتداله المفترض سيجعله مهيأً لأن يقدم تنازلات عند التفاوض.

ومع شيء من التعديل في هذه المعادلة، هل يمكن أن يتكرر هذا في مرحلة ما بعد الحرب على غزة، قياساً على ما جرى في تلك الأيام بين تل أبيب والقاهرة على يد «الليكود»؟

أما دواعي التعديل فهي أن التغيير إذا وقع في صيغة الحكم الحالية لـ«الليكود»، فسيكون بذهاب بنيامين نتنياهو وحده، لا ذهاب «الليكود» كله عن الحكم، لأن المشكلة فيه هو بالأساس، وليست في «الليكود» كصيغة تحالفية حاكمة، ولأنه إذا كان لحكومة أن تقود عملية سلام تؤدي إلى قيام دولة فلسطينية مستقلة، في مرحلة ما بعد الحرب على غزة، فالغالب أن تكون حكومة ليكودية، حتى لا تلاحقها الاتهامات بتقديم التنازلات.

صحيح أن في حكومة نتنياهو سياسيين أشد تطرفاً منه تجاه قضية فلسطين، وفي المقدمة منهم إيتمار بن غفير، وزير الأمن القومي، وبتسلئيل سموتريتش، وزير المالية، ولكن الحصة الكبرى من مقاعد الكنيست، حسب آخر انتخابات، هي في ميزان «الليكود» بصفته الكتلة الكبرى في الائتلاف الحاكم، وليست الحصة الكبرى في حزب بتسلئيل ولا في ميزان بن غفير.

ومما نتابعه في سماء الأجواء السياسية الأميركية والإسرائيلية معاً، نستطيع أن نرصد فيها تلميحات إلى أن ذهاب نتنياهو مسألة وقت، وأن إخفاقه في مواجهة هجوم السابع من أكتوبر، ثم إخفاقه في تحقيق شيء من وراء الحرب على غزة، يرشحانه بقوة للذهاب الذي لا يوجد له بديل.

وفي الفترة السابقة على نصر أكتوبر، كان مسؤولون مصريون يلتقون هنري كيسنجر، وزير الخارجية ومستشار الأمن القومي في إدارة الرئيس ريتشارد نيكسون، وكانوا يسألونه أن تساعد إدارة نيكسون في انسحاب إسرائيل من الأراضي التي احتلتها في الخامس من يونيو (حزيران) 1967، وكان هو يرد بما معناه أن الطرف الخاسر لا يمكنه أن يتحدث بلغة المنتصر!

فلما تحقق النصر كان هو أول الذين انخرطوا في عملية السلام التي بدأت من بعد النصر، ولم يكن قبلها يُبدي استعداده لأي انخراط من هذا النوع. وبالقياس، فإن غزة تظل من بعد الحرب عليها منتصرة، حتى ولو كان عدد شهدائها 15 ألفاً، وحتى ولو كانت نسبة كبيرة من منشآتها وبيوتها لا توجد فيها طوبة فوق طوبة. ففي بيان له يوم 26 من هذا الشهر ذكر المكتب الإعلامي الحكومي في قطاع غزة، أن 40 ألف طن ألقاها الإسرائيليون على القطاع خلال 49 يوماً دامت فيها الحرب، وأن تقديرات الخسارة تصل إلى 12 مليار دولار.

غزة منتصرة بالمعنى الأشمل للنصر رغم هذا كله، وانتصارها هو انتصار لكل فلسطيني فيها، أو في الضفة الغربية، أو في غيرهما، وإذا تطلعنا إلى وقت مناسب لبدء تحرك جاد نحو السلام، ومحرِّض عليه، ومشجع له، فهو هذا الوقت الذي انتصرت فيه غزة، وأرغمت تل أبيب على أن تخضع لهدنة.

غزة منتصرة رغم جراحها التي تكفي العالم لو توزَّعت عليه، ولأنها منتصرة فانتصارها يُغري بالذهاب إلى تسوية تقود إلى الدولة الفلسطينية المستقلة، وليس أنسب من «الليكود» ليشارك في صناعة هذه التسوية، لأن له سابقة وربما سوابق في هذا السبيل.

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

هذا ما يقول به تاريخ الصراع هذا ما يقول به تاريخ الصراع



GMT 10:17 2024 الإثنين ,18 تشرين الثاني / نوفمبر

ممدوح عباس!

GMT 10:15 2024 الإثنين ,18 تشرين الثاني / نوفمبر

القديم والجديد؟!

GMT 08:33 2024 السبت ,02 تشرين الثاني / نوفمبر

فرنسا تتصالح مع نفسها في المغرب

GMT 03:37 2024 الأحد ,13 تشرين الأول / أكتوبر

حزب المحافظين البريطاني: «لليمين دُرْ»!

GMT 23:09 2024 الأحد ,06 تشرين الأول / أكتوبر

هل يمكن خلق الدولة في لبنان؟

إطلالات الأميرة رجوة الحسين تجمع بين الرقي والعصرية

عمان ـ مصر اليوم

GMT 09:09 2024 الأربعاء ,27 تشرين الثاني / نوفمبر

تجديد جذّري في إطلالات نجوى كرم يثير الجدل والإعجاب
  مصر اليوم - تجديد جذّري في إطلالات نجوى كرم يثير الجدل والإعجاب

GMT 08:58 2024 الأربعاء ,27 تشرين الثاني / نوفمبر

وجهات سياحية فخّمة تجمع بين جمال الطبيعة والرفاهية المطلقة
  مصر اليوم - وجهات سياحية فخّمة تجمع بين جمال الطبيعة والرفاهية المطلقة

GMT 08:53 2024 الأربعاء ,27 تشرين الثاني / نوفمبر

نصائح لاختيار قطع الأثاث متعددة الأغراض
  مصر اليوم - نصائح لاختيار قطع الأثاث متعددة الأغراض

GMT 06:28 2024 الخميس ,28 تشرين الثاني / نوفمبر

تناول الزبادي الطبيعي يومياً قد يقلل من خطر الإصابة بسرطان
  مصر اليوم - تناول الزبادي الطبيعي يومياً قد يقلل من خطر الإصابة بسرطان

GMT 11:22 2020 الأربعاء ,08 تموز / يوليو

يحذرك هذا اليوم من المخاطرة والمجازفة

GMT 09:15 2024 الجمعة ,15 تشرين الثاني / نوفمبر

أهم 3 نصائح لاختيار العباية في فصل الشتاء

GMT 02:22 2020 الإثنين ,09 تشرين الثاني / نوفمبر

"الزراعة" تؤكد البلاد على وشك الاكتفاء الذاتي من الدواجن

GMT 13:41 2020 الأحد ,01 تشرين الثاني / نوفمبر

فيديو جديد لـ"طفل المرور" يسخر من رجل شرطة آخر

GMT 02:57 2020 الإثنين ,06 إبريل / نيسان

رامى جمال يوجه رسالة لـ 2020

GMT 02:40 2020 السبت ,22 شباط / فبراير

المغني المصري رامي جمال يحرج زوجته على الملأ
 
Egypt-today

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

egypttoday egypttoday egypttoday egypttoday
Egypttoday Egypttoday Egypttoday
Egypttoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
Egypt, Lebanan, Lebanon