بقلم - سليمان جودة
لا شىء يجعلنا نتذكر كتابًا صدر ذات يوم لمصطفى صادق الرافعى، إلا هذا الحر الذى يشوى الناس فى مساحات واسعة من العالم.
كان الرافعى قد قرر أن يخوض معركة أدبية مع العقاد، ولم يجد أفضل من كلمة «السَّفود» يجعلها فى عنوان الكتاب الذى هاجم فيه العقاد من الغلاف إلى الغلاف. وقد صدر الكتاب بعنوان «على السَّفود» وكان ولا يزال أعنف عنوان يمكن أن يكون على غلاف كتاب.
أما السفود فهو السيخ الذى يشوى عليه الكبابجى لحم الكباب، ورغم أن هذا المعنى لا يشتهر بيننا، ولا حتى بين الذين يحبون الكباب، ولا بين الذين يحترفون إعداد الكباب وتقديمه، إلا أنه المعنى الصحيح لغويًّا لكل سيخ تراه وسط الدخان المتصاعد من حوله عند الكبابجية.
كان الرافعى قد أصدر كتابًا عن إعجاز القرآن الكريم، وكان العقاد قد انتقد الكتاب، وكان الرافعى قد اعتبر أن فى انتقاد الكتاب ما لا يحفظ جلال القرآن، فلم يشأ أن ينساها وقرر أن يرد عن نفسه وعن القرآن أيضًا، وكان رده فى كتاب كامل يحمل العنوان المشار إليه، رغم أن العقاد أبدى رأيه فى الكتاب شفويًّا خلال لقاء عابر بينهما، ولم ينشره فى صحيفة ولا فى مجلة!.
والغالب أن أطرافًا أخرى سواهما دخلت فى الموضوع، وأنها نفخت فى نار الخلاف بينهما، وأنها زينت للرافعى ما سوف يقوله، وحرضته على أن يشوى لحم العقاد على السفود!.
وإذا أنت طالعت صفحات من الكتاب، فسوف تكاد لا تصدق أن معارك الأدب قد وصلت فى ثلاثينيات القرن العشرين إلى هذا الحد من العنف، فالكتاب كان قد صدر فى ١٩٣٠، ومن بعدها بقى نموذجًا للبأس والقوة فيما يمكن أن يدور بين أهل القلم من معارك.
وأغرب ما فى الموضوع أن يعتبر الرافعى أن هجوم العقاد على كتابه، هو هجوم على القرآن الكريم، وهذا بالطبع لا يمكن أن يكون صحيحًا، لأن كتابات صاحب العبقريات لا تقول بذلك، ولأن الهجوم على كتاب يتناول موضوعًا دينيًّا لا يعنى هجومًا على الدين ذاته.
ولكن هذا كله لا يمكن أن ينسينا براعة العقاد فى هجومه على الرافعى بعدها، ولا مهارة الرافعى فى الصد عن نفسه وعن كتابه حين قرر الاشتباك مع العقاد.