بقلم سليمان جودة
دعا السفير أحمد قطان، سفير السعودية فى القاهرة، إلى أمسية شعرية فى مقر إقامته، أحياها الشاعر الدكتور عبدالعزيز خوجة، سفير المملكة فى المغرب!
استوقفنى فى سيرة الدكتور خوجة أنه درس العلوم فى مصر، وأنه حصل على درجة الدكتوراه من بريطانيا فى الكيمياء!.. وأنه ليس من أبناء الخارجية السعودية، ومع ذلك كان سفيراً لبلاده على مدى ربع قرن فى تركيا، وفى روسيا الاتحادية، وفى لبنان، ثم فى المغرب مرتين!
والمعنى أن الرياض لاتزال توسِّـع الدائرة، حين تختار سفراءها فى الخارج، وأن سفيرها فى أى عاصمة ليس من الضرورى أن يكون دبلوماسياً، بدأ سلم وزارة الخارجية من أوله، وأن ممثل خادم الحرمين، فى أربعة بلاد، يمكن أن يكون دارساً للعلوم، وللكيمياء، قبل أن يكون من أبناء المدرسة الدبلوماسية بمعناها المعروف!
ولابد أن رؤية الشاعر المثقف لعلاقات بلاده بالآخرين تظل مختلفة عن رؤية الدبلوماسى فى حدوده، وقد بدا ذلك فى أوضح ما يكون، عندما أشار الدكتور خوجة إلى أن الكيمياء هى الحياة نفسها، بمعناها العام والأشمل، وأن الذرات لا تشكل وحدة، فى علم الكيمياء، إلا إذا تآلفت فيما بين بعضها البعض، وأن حياتنا كلها تمضى هكذا بالضبط، وعلى كل مستوى!
وإذا كان هناك درس من تجربته سفيراً فى أربع عواصم، فهو أننا مدعوون إلى أن نوسع دائرتنا أيضاً، ونحن نختار سفراءنا فى الخارج، وأن السفير، خصوصاً فى العواصم المهمة، ليس من المهم أن يكون دبلوماسياً!
صحيح أن الدبلوماسية المصرية مدرسة عريقة، وصحيح أنها أسست لقواعد، وأصول، وتقاليد راسخة، بامتداد عقود من الزمان، وصحيح أنها أخرجت قامات ولاتزال، غير أن هذا لا ينفى أن اختيار سفراء بعينهم، من خارج دائرتها، مسألة جديرة بالنظر، لأن بلاداً كثيرة تأخذ بذلك، لا السعودية وحدها!
سفيرنا فى أى عاصمة مهمة يمكن جداً أن يكون فى الأصل أستاذاً جامعياً بارزاً، أو أن يكون شاعراً شهيراً، أو أن يكون كاتباً مؤثراً، أو أن يكون محامياً مرموقاً، ولا يجب أن ننسى أن أحمد لطفى السيد، بكل ما له من مقام فكرى فى تاريخنا، كان وزيراً للداخلية ذات يوم، وأن محمد محمود باشا لما تولى رئاسة الحكومة، قبل يوليو 1952، عرض على هيكل باشا، خريج جامعة باريس، أن يكون وزيراً للداخلية، ولكنه رفض، وأن فؤاد سراج الدين، أنجح وزراء داخلية ما قبل يوليو، لم يكن ضابطاً فى الأساس!.