بقلم - سليمان جودة
فى مارس ١٩٦٩ احتفلت القاهرة بمرور ألف سنة على نشأتها، ورأت دار الهلال أن أفضل طريقة تشارك بها فى الاحتفال هى أن تضع كتابًا عن قاهرة المعز بين أيدى القراء.
وقتها، كان أحمد بهاء الدين رئيسًا للدار، وكان كامل زهيرى رئيسًا لسلسلة كتاب الهلال، فوقع اختيارهما على كتاب للمؤلف الإنجليزى ديزموند ستيوارت عن القاهرة.. وكان المؤلف قد قضى سنوات فيها، وكان قد كتب عنها كتابًا سماه: القاهرة.
أما الذى ترجم الكتاب الى العربية فهو يحيى حقى، وأما الذى كتب مقدمته الطويلة فكان جمال حمدان.. وهكذا تجد نفسك أمام هذه الأسماء الكبيرة، التى عملت معًا على أن تكافئ القارئ بما يستحقه، وبما يتعين له أن يعرفه عن عاصمة بلاده، وبما كتبه خواجة أحب القاهرة، فقرر أن يسجل حبه لها فى كتاب.
وإذا كان الدكتور حمدان قد أصدر كتابه الأشهر «شخصية مصر»، وجعل عنوانه «دراسة فى عبقرية المكان»، فمقدمته لكتاب الخواجة الإنجليزى عن عاصمة المحروسة كانت تحت هذا العنوان: دراسة فى جغرافية المدن. وليس أجمل من نص الكتاب إلا مقدمة الدكتور جمال حمدان، الذى جعلها وكأنها كتاب آخر مع كتاب ستيوارت، فكأنك أمام كتابين بين غلافين.. فالمقدمة تزيد على السبعين صفحة، وتكاد تصل فى حجمها إلى حجم الكتاب نفسه.
وسوف يلفت انتباه القارئ أن ديزموند ستيوارت قد اختار أن يكون أول فصول كتابه بهذا العنوان «القاهرة بنت الصحراء»، وأن يكون الفصل الثانى تحت هذا العنوان: «القاهرة بنت النيل». وحين وضع قاهرة المعز على الخريطة جعلها ضمن منطقة صحراوية ممتدة من البحر الأحمر شرقًا إلى المحيط الأطلنطى غربًا، وهى مساحة طولية تشتهر بأنها منطقة الساحل والصحراء.
والمعنى أن النيل هو الذى أحيا القاهرة، وهو الذى لا يزال يُحييها ويمنحها الكثير من سحرها، ولكن سحرها سوف يكتمل إذا أحيينا نحن مشروع التشجير القديم، الذى يستطيع أن يحميها من قسوة الطقس، وأن يخفف عنها ما تجده فى صيف كل سنة، وفى صيف ٢٠٢٣ بالذات.
القاهرة تعيش على أمل أن تجد يدًا تنتشلها مما هى فيه، وإذا كانت قد اشتهرت من قبل بأنها باريس الشرق فلن ترضى بما هو أقل.