توقيت القاهرة المحلي 04:48:30 آخر تحديث
  مصر اليوم -

الإعلام الجديد إذ يتربص بزلات اللسان

  مصر اليوم -

الإعلام الجديد إذ يتربص بزلات اللسان

بقلم - سليمان جودة

وقع عبد الحميد الدبيبة، رئيس حكومة الوحدة الوطنية، التي تتخذ من غرب ليبيا مقراً لها، في الشيء نفسه الذي كان الرئيس المصري الأسبق حسني مبارك قد وقع فيه من دون قصد.

والقصة أن مواقع التواصل تتداول فيديو للدبيبة يقول فيه الآتي: «40 مليار دولار أين تذهب؟ الليبيون يأكلون ويشربون مجاناً، ويريدون زيادة في الرواتب وبنزيناً وكهرباء وماءً بالمجان...»، وقال أيضاً: «الموظف لا يعمل أكثر من ساعة يومياً».

قبل أن يجري تداول هذا الفيديو بثلاثين سنة تقريباً، كان حسني مبارك قد قال المعنى ذاته الذي يقوله الفيديو، ولكنّ كلامه لم يتسرب وقتها من خلال مواقع التواصل، لأنها لم تكن قد ظهرت بعد، وربما كانت في ذلك الوقت لا تزال في بداياتها، ولم تكن قد بلغت ما بلغته هذه الأيام من انتشار ولا من سطوة بين الناس.

كان مبارك قد عاد للتوّ من زيارة لإثيوبيا، وكان قد قطعها بسبب محاولة الاغتيال الشهيرة التي استهدفت حياته، وهو في طريقه إلى القمة الأفريقية المنعقدة في العاصمة الإثيوبية أديس أبابا، وكانت وسائل الإعلام قد راحت تتهافت عليه، لتسمع منه عن قرب ماذا جرى، وكيف نجا من محاولة كانت أسباب نجاحها متوافرة كلها.

كان ذلك في 1995، وكانت الصحافية الكويتية هداية سلطان السالم، رئيسة تحرير مجلة «المجالس»، قد جاءت تطلب حديثاً صحافياً مع الرئيس المصري، وقد أجرت معه حواراً جرى نشره لاحقاً في المجلة، وكان في أغلبه يدور حول وقائع محاولة الاغتيال، وعن الأطراف الإقليمية التي يرى مبارك أن لها علاقة بما وقع.

وعلى هامش الحوار دار كلام آخر في مواضيع مختلفة عن موضوع محاولة الاغتيال، وفي أثناء الدردشة التي جرت على الهامش قال مبارك كلاماً يكاد يكون هو نفسه الذي قاله الدبيبة، ولكنه كان عن المصريين، لا عن الليبيين بالطبع.

ومما قيل بعدها أن فريق العمل في مكتب مبارك أفهم هداية السالم، أن ما قيل على هامش اللقاء ليس للنشر، وقالت هي من جانبها إنها تفهم ذلك وتتفهمه، ولكنها ما كادت تصل إلى الكويت حتى كانت قد نشرت الحوار وما جرى على هامشه معاً!

وقامت الدنيا ولم تقعد، ونشرت الصحافة في القاهرة تعليقات متفرقة على الحوار، وبالذات على النقطة التي يتحدث فيها الرئيس عن المصريين، وعن أنهم في الغالبية منهم يريدون كذا وكذا بالمجان... تماماً كما قال رئيس حكومة الوحدة الوطنية من مقره في العاصمة طرابلس، وتماماً كما يقول الفيديو المتداول على مواقع التواصل.

وكتب جمال بدوي، رئيس تحرير جريدة «الوفد»، مقالاً عن القضية كان هو الأهم، لأنه كان افتتاحية الجريدة في الصفحة الأولى، ولأنه عاتب فيه رئيس الدولة على أنه تكلم بهذه اللهجة عن المصريين، وكان عنوان المقال: «عتاب على الرئيس».

كنت قريباً من بدوي وقت رئاسته للتحرير، وأعرف أن هذا العنوان لم يكن هو العنوان الأصلي الذي اختاره الرجل لمقالته، وأنه كان قد كتبها تحت عنوان «أصابت امرأة وأخطأ الرئيس» ولكنَّ أحداً في الجريدة نصحه بتغيير العنوان، لأن ظهور المقالة به يمكن أن يسبِّب مشكلة، وبالفعل جرى تغيير العنوان إلى العنوان البديل الذي خرجت به الجريدة على القراء.

كان جمال بدوي يرحمه الله، قد استوحى العنوان الأصلي للمقالة من القصة المعروفة التي دارت ذات يوم بين امرأة من عامة المسلمين، وبين الخليفة الراشد الثاني عمر بن الخطاب، والتي انتهت بأن قال عمر: «أصابت امرأة وأخطأ عمر».

ولكن لأن زمن عمر كان قد فات وقت استشهاد رئيس تحرير «الوفد» بالواقعة، فإن المقالة لم تمر بخير رغم تغيير عنوانها، وتعرّض كاتبها لاعتداء بالضرب العنيف في عرض الشارع، وكان ذلك بعد صدور عدد الجريدة الذي ضم المقالة بساعات، وبدا من سياق ما حدث أن الاعتداء كان بسبب المقالة أساساً لا بسبب آخر، وأن تغيير عنوانها لم يشفع لكاتبها في شيء، وأن المقربين من مبارك لم يجعلوا المقالة تمر بسلام، وأنهم قد أوغروا صدره على رئيس تحرير «الوفد» فكان ما كان، مما كان حديث المحروسة كلها في تلك الأيام.

وكان الطريف في الموضوع أن مبارك اتصل بجمال بدوي تليفونياً في مساء يوم وقوع الاعتداء، وتبادل معه حديثاً ودّياً ضاحكاً، وسأله عن السبب الذي لم يجعله يتعامل بيديه مع الذين اعتدوا عليه بالضرب!

يدور الزمان دورته، ويقع الدبيبة في الفخ ذاته، وبغير قصد منه بالتأكيد، لأنه لو كان يقصد لقال ما قاله في لقاء عام، ولكن لأنه كلام لا يقال في لقاء من هذا النوع، ولأنه نوع من الفضفضة، فإن صاحبه لم يتصور وهو يفضفض به في جلسة خاصة، أنه سيصير مُذاعاً على الليبيين كلهم خلال لحظات. لم يتخيل رئيس حكومة الوحدة أنه وهو يتكلم بما قاله، سيكون أقرب إلى الفنان محمود عبد العزيز في فيلم «الكيت كات» عندما قام في الفيلم بدور «الشيخ حسني الضرير»، وعندما تكلم أخذ راحته في الكلام من دون أن ينتبه إلى أن الميكروفون القريب منه مفتوح على الناس!

يمكن النظر إلى ما قيل من جانب مبارك والدبيبة معاً على أنه زلة لسان غير مقصودة، ولكن منذ متى كانت زلّات اللسان في حياة الساسة تؤخذ على أنها زلّات لسان بالفعل؟ كانت زلّات لسان تمر في هدوء من قبل، وكان ذلك في زمن مضى لم يكن الإعلام الجديد يتربص فيه بالسياسي في كل الحالات والأوقات، وبغير أن يبالي كثيراً بما إذا كان ما ينقله قد قيل للنشر أو لغير النشر.

وليست وسائل التواصل الاجتماعي في حالة فيديو الدبيبة، إلا الميكروفون المفتوح إلى جوار «الشيخ حسني» في فيلم «الكيت كات» الشهير!

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

الإعلام الجديد إذ يتربص بزلات اللسان الإعلام الجديد إذ يتربص بزلات اللسان



GMT 10:17 2024 الإثنين ,18 تشرين الثاني / نوفمبر

ممدوح عباس!

GMT 10:15 2024 الإثنين ,18 تشرين الثاني / نوفمبر

القديم والجديد؟!

GMT 08:33 2024 السبت ,02 تشرين الثاني / نوفمبر

فرنسا تتصالح مع نفسها في المغرب

GMT 03:37 2024 الأحد ,13 تشرين الأول / أكتوبر

حزب المحافظين البريطاني: «لليمين دُرْ»!

GMT 23:09 2024 الأحد ,06 تشرين الأول / أكتوبر

هل يمكن خلق الدولة في لبنان؟

إطلالات الأميرة رجوة الحسين تجمع بين الرقي والعصرية

عمان ـ مصر اليوم

GMT 09:09 2024 الأربعاء ,27 تشرين الثاني / نوفمبر

تجديد جذّري في إطلالات نجوى كرم يثير الجدل والإعجاب
  مصر اليوم - تجديد جذّري في إطلالات نجوى كرم يثير الجدل والإعجاب

GMT 08:58 2024 الأربعاء ,27 تشرين الثاني / نوفمبر

وجهات سياحية فخّمة تجمع بين جمال الطبيعة والرفاهية المطلقة
  مصر اليوم - وجهات سياحية فخّمة تجمع بين جمال الطبيعة والرفاهية المطلقة

GMT 08:53 2024 الأربعاء ,27 تشرين الثاني / نوفمبر

نصائح لاختيار قطع الأثاث متعددة الأغراض
  مصر اليوم - نصائح لاختيار قطع الأثاث متعددة الأغراض

GMT 04:48 2024 الأربعاء ,27 تشرين الثاني / نوفمبر

المحكمة العليا الأميركية ترفض استئناف ميتا بقضية البيانات
  مصر اليوم - المحكمة العليا الأميركية ترفض استئناف ميتا بقضية البيانات

GMT 11:22 2020 الأربعاء ,08 تموز / يوليو

يحذرك هذا اليوم من المخاطرة والمجازفة

GMT 09:15 2024 الجمعة ,15 تشرين الثاني / نوفمبر

أهم 3 نصائح لاختيار العباية في فصل الشتاء

GMT 02:22 2020 الإثنين ,09 تشرين الثاني / نوفمبر

"الزراعة" تؤكد البلاد على وشك الاكتفاء الذاتي من الدواجن

GMT 13:41 2020 الأحد ,01 تشرين الثاني / نوفمبر

فيديو جديد لـ"طفل المرور" يسخر من رجل شرطة آخر

GMT 02:57 2020 الإثنين ,06 إبريل / نيسان

رامى جمال يوجه رسالة لـ 2020

GMT 02:40 2020 السبت ,22 شباط / فبراير

المغني المصري رامي جمال يحرج زوجته على الملأ
 
Egypt-today

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

egypttoday egypttoday egypttoday egypttoday
Egypttoday Egypttoday Egypttoday
Egypttoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
Egypt, Lebanan, Lebanon