بقلم سليمان جودة
كانت الداخلية فى غِنَى عن خلق مشكلة بينها وبين نقابة الصحفيين، وكانت تستطيع تنفيذ أمر النيابة بضبط وإحضار زميلين صحفيين دون أن تقتحم مبنى النقابة، وكانت تستطيع أن تنفذ القانون دون أن يُقال عنها، صباح أمس، فى مانشيتات صحف الدولة، قبل الصحف الخاصة والمعارضة، إنها اقتحمت النقابة، وإن اقتحامها يمثل سابقة تاريخية!
وكانت تستطيع أن تضع أمر الضبط والإحضار أمام النقيب يحيى قلاش، وتطلب منه مساعدتها فى تنفيذه، ولا أظن أن الرجل عندها كان سيقف فى طريق تنفيذ القانون الذى يجب أن يكون فوقنا جميعاً دون استثناء!
كان النقيب سوف يرافق الزميلين إلى النيابة، وكان المستشار القانونى للنقابة سوف يحضر معهما التحقيق، وسوف يدافع عنهما، لأن هذا حقهما، ولأن أى متهم لديه ما يقوله فى وجه الاتهامات الموجهة إليه!
إن الداخلية تقول فى بيانها إن التهمة هى: التحريض على خرق قانون تنظيم حق التظاهر، والإخلال بالأمن، ومحاولة زعزعة الاستقرار فى البلاد.
وهى ليست تهمة واحدة، كما ترى، ولكنها ثلاث تهم، وإن كانت الأولى التى تتكلم عن «التحريض على خرق قانون تنظيم حق التظاهر» هى الأوضح، لأن التهمتين الأخريين الواردتين فى البيان غامضتان.. ومع ذلك، فإن اتباع الطريق الصحيح فى تنفيذ أمر الضبط والإحضار كان كفيلاً بأن يقف الزميلان أمام جهات التحقيق، فتدينهما حسب ما ترى، أو تخلى سبيلهما، دون صخب، ودون ضوضاء!
إننى أعتقد أن احترام قانون التظاهر القائم أمر واجب على الجميع، وإذا كان هناك بيننا من لا يعجبه القانون فليطالب بتعديله، لا أن يعمل على خرقه، وتقديرى أن الدولة مدعوَّة إلى الأخذ بالملاحظات التسع التى أبداها المجلس القومى لحقوق الإنسان على القانون، فهى ملاحظات من مجلس يحظى بثقة كبيرة من جانب المصريين، ثم من مجلس يراعى، وهو يضع ملاحظاته، أن يكون القانون متوازناً، فلا ينال من حق الدولة فى حفظ الأمن فى الشارع، ولا من حق كل مواطن فى أن يتظاهر سلمياً، دون اعتداء على ممتلكات عامة أو خاصة.
على الداخلية أن تنتبه إلى أن هناك من يتصيد لها أى خطأ، فيضخمه، ويضيف إليه، ويصوِّره على غير ما حدث، وعليها أن تلتفت إلى أنها إذا كانت هدفاً، فى أحداث 25 يناير، فإنها لاتزال هدفاً إلى اليوم، ولكن بشكل مختلف، وهى تستطيع قطع الطريق على كل الذين يستهدفونها بأن توازن دائماً، وهى تؤدى دورها فى مجتمعها، بين الحرية كقيمة يحرص عليها كل مواطن، وليس صاحب رأى فقط، وبين مسؤولية تحقيق الأمن، باعتبارها وظيفتها الأولى فى البلد!
الداخلية ضحَّت، ولاتزال تضحِّى، وتدفع من حياة أبنائها الكثير، ليتحقق الحد الأدنى من الأمن للمواطنين، ولكنها، فى الوقت نفسه، لابد أن تكون أحرص أركان الدولة على عدم خرق القانون، وعلى الالتزام بمقتضياته فى كل خطواتها.
الصحافة الحرة هى لصالح الداخلية، وغير الداخلية، قبل أن تكون لصالح ممارسيها، والبلد الذى يخلو من الصحافة الحرة، بمعناها الجاد والحقيقى، هو بلد منزوع الحياة!