بقلم : سليمان جودة
أتابع ردود الفعل العربى الغاضبة على نقل السفارة الأمريكية فى إسرائيل من تل أبيب إلى القدس، وأتساءل: هل كان قرار نقلها مفاجئاً لنا؟!.
لم يكن القرار مفاجئاً فى أى مرحلة من مراحله، ففى عام ٢٠١٦ كان الرئيس الأمريكى دونالد ترامب لايزال مرشحاً رئاسياً، وأعلن وقتها مراراً أن قرار نقل سفارة بلاده على رأس برنامج العمل الذى سيلتزم به إذا صار رئيساً!.
وقبل أيام كان هو نفسه قد تباهى علناً بأن جميع الرؤساء الأمريكان الذين سبقوه قطعوا على أنفسهم الوعد ذاته، ولكنهم خافوا وترددوا فى التنفيذ.. إلا أنا.. هكذا قال.. وهكذا أعلن.. وهكذا تفاخر بما لم يجرؤ عليه رؤساء سبقوه فى البيت الأبيض!.
وفى مرحلة ثانية كانت فى الخامس من ديسمبر الماضى، قرر نقل السفارة فعلاً، وقال وهو يعلن القرار إنه يفى بوعد انتخابى، من بين وعود انتخابية عاهد عليها ناخبيه فى فترة الترشح!.
وفى مرحلة ثالثة كانت قبل أسابيع�� حدد موعد تنفيذ القرار فى الرابع عشر من مايو، ليكون احتفال إسرائيل فى هذا اليوم احتفالين: واحدا بذكرى قيامها عام ١٩٤٨، وآخر بنقل السفارة بالفعل!.
وهو كان قد ألمح إلى أنه قد يحضر حفل نقل السفارة شخصياً، لولا أنه تراجع وبعث بابنته إيفانكا، وزوجها جاريد كوشنر مستشاره الخاص!.
إننا أمام رجل يتكلم، ثم يحوّل كلامه إلى فعل، ويراهن من جانبه على أننا كعرب فى المقابل، سوف نتكلم فقط، وسوف نستهلك طاقتنا فى الكلام.. وليس أمامنا سوى أن نواجه الفعل على مستواه، بفعل آخر على مستوانا.. فعل يقول إن الولايات المتحدة الأمريكية إذا كانت قوية إلى هذا الحد، فإننا لسنا ضعفاء إلى هذه الدرجة!.
لقد كان قراره فى حاجة إلى خطوات عربية استباقية، تعرقل تنفيذه، وتعطل تحويله إلى واقع على الأرض، وإذا كان هذا قد فاتنا، فليس أقل من ألا يفوتنا فى هذه المرحلة التى لا بديل فيها عن طرق الحديد الساخن!.
إن دولاً غير عربية قررت سحب سفرائها ليس فقط من تل أبيب، ولكن من واشنطن أيضاً، وهى قد فعلت ذلك دون أن تكون عربية، ودون أن تكون ذات علاقة مباشرة بالقضية، ودون أن تكون صاحبة عضوية فى الجامعة العربية، وإنما لمجرد إعلان موقف مما يجرى!.
إننى أُقدّر حديث أحمد أبوالغيط، أمين عام الجامعة، عن أن الحفل، أو المشاركة فيه، عمل مشين، وأن الدول التى تنهض بمسؤوليتها فى العالم، وتحترم مبادئ القانون الدولى نأت بنفسها عن المشاركة فى هذا الهزل!.
وأتوقع أن تكون لهجة السيد الأمين العام فى حديثه هى البوصلة التى على أساسها تتحرك الجامعة فى اجتماعها الطارئ المنعقد اليوم.. فليس أقل من الإعلان عن إجراءات عربية محددة، ستكون فى انتظار كل دولة تمشى وراء أمريكا فى ذات الطريق!.. إننا نريد أن تكون سفارة ترامب فى القدس وحيدة ومعزولة عن سفارات العالم، وهذا أضعف الإيمان!.
نقلا عن المصري اليوم القاهرية
المقال يعبّر عن رأي الكاتب وليس بالضرورة رأي الموقع