بقلم سليمان جودة
كلما واجه البلد أزمة جديدة، أحسست بأن المسؤولين عن التعامل معها فى حاجة حقيقية إلى الالتحاق بفصول محو الأمية الأبجدية، قبل أن يكونوا تلاميذ فى مدرسة، أو طلاباً فى جامعة!
فصول محو أمية أبجدية تقول لهم، فى مسألة السيول - مثلاً - إن العام ينقسم إلى أربعة فصول مناخية، وإن الشتاء واحد من هذه الفصول، وإنه يأتى بعد الخريف، وقبل الربيع!
فإذا عرفنا أن هيئة الأرصاد أعلنت، مساء أمس الأول، أنها أنذرت المحافظات التى تعرضت للسيول قبلها بشهر كامل، لتبين لنا على الفور أن فصول محو الأمية الأبجدية لا تكفى أبداً!
وإذا كان المهندس شريف إسماعيل سوف يكتفى بأن يعود سالماً من البحر الأحمر، حيث اعترض الغاضبون من الأهالى طريقه، فنحن فى الحقيقة نغطى، كحكومة، على إهمال فادح وقع من مسؤولى المحافظات التى ضربتها السيول، وهو إهمال لا يجوز بأى حال التغطية عليه!
ثم إذا كان الرئيس، قبل المهندس إسماعيل، سوف يتوقف قراره عند حدود صرف مائة مليون جنيه، للغلابة ممن شردتهم السيول، فنحن، عندئذ، لسنا فى دولة تحاسب، وتسائل، وتثيبت، وتعاقب!
إننا أمام أكثر من محافظ، فى أكثر من محافظة، تلقوا تحذيراً واضحاً من هيئة الأرصاد، قبلها بشهر بالتمام، ثم لم يفعلوا شيئاً، وأهملوا إهمالاً جسيماً فى الاضطلاع بمهام وظائفهم العامة، إلى أن استيقظنا على منظر اللاجئين من الأهالى، والهاربين من بينهم، من غضب الطبيعة!
المائة مليون إذا اكتفينا بها، سوف تؤخذ من جانب المتربصين بالبلد على أنها تغطية على إهمال جسيم وقع على يد عدد من المحافظين أكثر منها إعانةً للمضارين من الأهالى، فى أكثر من محافظة.. ونحن لا نرضى للرئيس أن يجرى تصويره، على يد المتربصين به، فى صورة الذى يغطى على إهمال، أو يستر عجز أداء، فى أى موقع!
لو فاجأتنا السيول، دون سابق إنذار من أرصاد، لقلنا إنها مسألة فوق طاقة البشر.. أما أن يكون التحذير قبل حلول المأساة بثلاثين يوماً، فإننا فى الحقيقة أمام مسؤولين يمثلون عبئاً على البلد، قبل أن يكونوا عبئاً على الرئيس ذاته، فإذا كان البلد هنا، يظل مفهوماً عاماً، ومطاطاً، وفضفاضاً، فالرئيس ليس كذلك، لأنه يملك أن يتخذ قراراً، ويملك أن يحاسب كل محافظ عرف قبلها بشهر، ثم لم يحرك ساكناً، ونام فى مكتبه إلى أن صارت محافظته بمشرديها فُرجة على فضائيات المساء!
الجدية فى الحكم تقول، إن كل محافظ تلقى إنذار هيئة الأرصاد، ثم حدث فى محافظته ما حدث، لا يجوز أن يبقى فى مكتبه ساعة.. ثم إنه لابد أن يكون موضع محاسبة تنطق بأن الجدية عنوان الحكم!