بقلم - سليمان جودة
من جديد يتبين، للمرة الألف، التى بالتأكيد لن تكون الأخيرة، أن الأستاذ الإمام محمد عبده كان على صواب تمامًا حين لعن السياسة بكل مفرداتها من ساس، إلى يسوس، إلى سائس، ثم إلى أى مفردة أخرى قد تظهر اليوم أو فى المستقبل!.
يتبين هذا لنا من خلال حديث أخير للرئيس الأمريكى السابق دونالد ترامب، صب فيه كل غضبه على الرئيس الحالى جو بايدن، واتهمه بالضعف أمام الرئيس الروسى بوتين، وقال إن هذا الضعف ظاهر فى الموقف الأمريكى أمام الموقف الروسى فى موضوع أوكرانيا!.
وسبب الضعف كما يراه هو أن بلاده انسحبت من أفغانستان بالطريقة التى جرى بها الانسحاب صيف السنة الماضية، وأنه لو كان موجودًا فى البيت الأبيض مكان بايدن، لما كان الانسحاب قد جرى، وما كانت واشنطن قد بدَت على هذه الدرجة من الضعف أمام موسكو!.
وهو كلام ملىء بالمغالطات من أوله إلى آخره، ولا هدف له سوى دغدغة مشاعر الناخب الأمريكى، لعل ذلك يصب فى صالح ترامب إذا خاض السباق الرئاسى المقبل فى ٢٠٢٤.. هو حديث كله مغالطات، وبالذات فى موضوع أفغانستان، لأن الرئيس السابق نفسه يعرف أنه هو الذى أصدر قرار الانسحاب من أفغانستان فى مايو ٢٠٢٠، وأن بايدن لم يفعل شيئًا سوى أنه نفذ ما وجد أن عليه كرئيس مسؤول أن ينفذه!.
وعندما يبنى رئيس أمريكى سابق حديثًا له على مغالطة بهذا الحجم، فليس الهدف بالتالى سوى الكيد من جانبه للرئيس الذى جاء من بعده.. ولا مجال للكلام بأى معنى عن أن الحالة التعيسة التى يعيشها الأفغان فى مرحلة ما بعد الانسحاب تؤرقه إلى هذا الحد، كما أنه لا مكان للظن بأن الخوف الذى يطارد الأوكرانيين ينغص عليه حياته إلى هذه الدرجة!.
ليس هذا وفقط.. لكننا لانزال نذكر كيف كان بوتين سعيدًا بوجود ترامب وإدارته فى مقاعد الحكم، وكيف كان الرئيس الروسى ولايزال متهمًا بأنه بذل الكثير من الجهود الإلكترونية فى سبيل إسقاط هيلارى كلينتون، عندما ترشحت أمام ترامب فى ٢٠١٦!.. بل إن التهمة نفسها كانت تلاحقه أثناء المعركة الانتخابية التى خاضها ترامب أمام بايدن طوال السنة قبل الماضية!.
سوف يبدو ترامب شجاعًا بما يقوله أمام كثيرين من الأمريكيين، لكنها شجاعة بأثر رجعى كما نرى، فضلًا عن أنها قائمة فى أساسها على السياسة بمعناها الملعون!.