بقلم سليمان جودة
كان المهندس سيد مرعى وزيراً للزراعة، وحين تركها جاء اللواء عبدالمحسن أبوالنور وزيراً فى مكانه، فقرر عقد اجتماع مع قيادات الوزارة، ليرى ماذا عليه أن يفعل خلال فترة وجوده فيها!
فى أثناء الاجتماع انبرى واحد من القيادات، وراح يخاطب «أبوالنور» فى دهشة ويقول: أين درست الزراعة يا افندم؟!
ولم يكن الرجل قد درس الزراعة فى أى مكان، ولا كانت له بها أى علاقة، لأنه كان ضابطاً فى الأساس، وكان من رفاق عبدالناصر فى تنظيم الضباط الأحرار!
ولم يتوقف هزل الحكاية عند هذا الحد، لأن قيادى وزارة الزراعة نفسه قد عاد يتطلع فى وجه الوزير الجديد، فى دهشة أكثر، ثم يقول: يا افندم أنت تتكلم فى أمور الزراعة كأنك درستها فى جامعة أكسفورد!
ولم يعرف عبدالمحسن أبوالنور بماذا يرد على نفاق رخيص من طراز ما سمع، فالتفت إلى الرجل المنافق وقال مبتسماً: لا.. أبداً.. دى الحكاية كلها ذوق ونباهة!
وإذا كان هذا ما قاله مجرد واحد من بين آخرين، كانوا قد جلسوا بين يدى وزير يدخل الوزارة لأول مرة ليصارحوه لا لينافقوه، فلا أحد يعرف ماذا قال هؤلاء الآخرون، وإلى أى مدى بالضبط وصل منسوب النفاق فى الجلسة كلها؟!
ولكن الذى أعرفه أنى فى اللحظة الأولى التى طالعت فيها تشكيل المجلس الأعلى للاستثمار، الذى صدر به قرار جمهورى الثلاثاء الماضى، قد وضعت يدى على قلبى، وخشيت أن يحدث مع الرئيس فى أول اجتماع للمجلس، ثم فى كل اجتماعاته، ما حدث بالضبط مع الوزير أبوالنور، وربما يحدث ما هو أشد!
ربما يحدث ما هو أشد لأن التشكيلات السابقة للمجلس كانت تضم أصحاب أعمال من السعودية، ومن الإمارات، ومن الكويت، ومن دول الخليج عموماً، فإذا به هذه المرة يخلو تماماً منهم.
ربما يحدث مع الرئيس ما هو أشد، من ألوان النفاق التى سمعها أبوالنور، ليس لأنى أطعن فى أحد ممن ضمهم القرار الجمهورى.
ففى التشكيل مسؤولون ووزراء محترمون، كما أن فيه جهات محترمة جرى تمثيلها، غير أن القرار خلا بالكامل من أى اسم لأى صاحب أعمال مصرى يستطيع أن يصارح الرئيس، إذا اجتمع بهم، بما لن يستطيع قطعاً أن يصارحه به أحد ممن سماهم القرار الجمهورى!
قد يرد واحد ويقول: إن جهاز المخابرات عضو فى التشكيل الجديد، وكذلك الرقابة الإدارية، وإلى جوارهما اتحاد الصناعات، واتحاد جمعيات المستثمرين.. وسوف أقول: على رأسى من فوق!.. غير أن هذه كلها جهات رسمية، أو شبه رسمية، ولن تستطيع لعوامل كثيرة أن تقول للرئيس ما يجب أن يسمعه!
إذا كان يراد للأعلى للاستثمار أن يؤدى دوراً حقيقياً، وأن ينجح حقاً، وأن ينجز مهمته المنتظرة فعلاً، فليس أقل من أن تُضاف إلى تشكيلته ثلاثة أو أربعة أسماء من أصحاب الأعمال، ذوى الرأى الحر، الذين لا يتقيدون بشىء، وعندها سوف يسمع الرئيس فى شأن الاستثمار «ما يجب» أن يسمعه، لصالحه هو، ولصالح البلد كله، وليس «ما يحب» أن يسمعه!