بقلم - سليمان جودة
يمكن القول عن حفل إفطار الأسرة المصرية، الذي دعا إليه الرئيس مساء الثلاثاء الماضى، إنه كان حفلًا للمصارحة والمصالحة معًا!.
كان حفلًا للمصارحة لأن الرئيس صارح الحاضرين فيه بما لم يسبق أن كشف عنه في أي مناسبة سابقة. ومما صارحهم به مثلًا أن الجيش جاء عليه وقت كان ينفق فيه مليار جنيه شهريًّا في معركة القضاء على الإرهاب، وأن هذا المعدل من الإنفاق استمر شهورًا طويلة!.
ومما قاله أيضًا للحاضرين، ومن ورائهم المصريون جميعًا بالتالى، أن الأزمات ونتائجها لا تسقط بالتقادم، وأن ما جرى من أزمات في ٢٠١١ وصولًا إلى ٢٠١٣ لا تزال له توابعه التي تعيش معنا إلى اللحظة، والتى تؤثر في حياتنا الراهنة، حتى ولو لم ننتبه إلى ذلك.. فما جرى في تلك الأيام لا يموت في مكانه، ولكنه يعيش بعدها بتوابع لا تتوقف ولا تنتهى!.
وفى طريق المصارحة أضاف الرئيس أن مساعدات الأشقاء العرب لمصر كانت بعشرات مليارات الدولارات، وأن هذه المساعدات كان لها دور لا يمكن إنكاره في تجاوز ما حدث من أزمات كادت تعصف بالبلد بدءًا من ٢٥ يناير ٢٠١١ وما جاء لاحقًا لها.. لولا فضل من الله ورحمة!.. أما طريق المصالحة فكان أساسه العبارة التي أطلقها الرئيس فقال فيها إن الاختلاف في الرأى يجب ألّا يفسد للوطن قضية!.
ومن بعد هذه العبارة، صافح الرئيس عددًا من رموز المعارضة السياسية، الذين حضروا هذا الإفطار السنوى للمرة الأولى ربما.. ومعهم حضر عدد آخر من الوجوه السياسية التي لم يكن من المعتاد أن يظهروا في مثل هذه المناسبات!.
وما هو مهم الآن أن تتحول العبارة ومعها المصافحة إلى توجه لدى الدولة تسمع من خلاله في القضايا الحيوية للبلد ما يجب أن تسمعه ممن لديه رأى آخر.. المهم أن تصبح العبارة ومعها المصافحة قناعة لدى الحكومة بأن الرأى المختلف يضع أمامها ما لا يمكن أن تعرفه ممن يباركون في كل الأوقات.. المهم أن تكون العبارة ومعها المصافحة دستورًا غير مكتوب للعمل الذي يمنح الأمل!.
والذين حضروا حفل الإفطار لا بد أنهم لاحظوا في كلمة الرئيس إشارات محددة على أشياء معينة.. وإذا كانت الدولة قد بادرت بهذه الإشارات، فليس أمامها سوى أن تسعى في طريق المصارحة إلى آخره، وليس أمامها سوى أن تمشى في طريق المصالحة إلى غايته.. فالمصارحة أساس كل بناء يُراد له أن يختلف عما سبق، والمصالحة في مثل حالتنا هي مصالحة للدولة مع نفسها قبل أن تكون مع الآخرين!.