توقيت القاهرة المحلي 09:45:29 آخر تحديث
  مصر اليوم -

قصة شارحة لطبيعة المواجهة في غزة

  مصر اليوم -

قصة شارحة لطبيعة المواجهة في غزة

بقلم - سليمان جودة

 

المذكرات السياسية التي خرجت إلى النور في القاهرة عن فترة مفاوضات كامب ديفيد بين مصر وإسرائيل، تظل تشترك في رواية قصص كثيرة عن تفاصيل المفاوضات، ولكن قصة بعينها من بين القصص تبدو وكأنها قاسم مشترك أعظم بين كثير من المذكرات المنشورة، وهي قصة يمكن أن تكون مفيدة لنا في فهم طبيعة المواجهة الحاصلة في قطاع غزة بين إسرائيل وحركة «حماس».

وإذا شئنا الدقة قلنا إن المواجهة هي بين الفلسطينيين في القطاع وبين الإسرائيليين، لأن «حماس» في النهاية مجرد فرع، ولكن أبناء القطاع في العموم هُم أصل للفرع، ويظل الأصل يضمهم مع كل فلسطيني آخر يعيش في أي مكان.

القصة كان لها طرفان أحدهما الرئيس السادات، والآخر الدبلوماسيون الذين رافقوه في جولات المفاوضات في الولايات المتحدة الأميركية. ولكنّ الدبلوماسيين المشاركين في المفاوضات كانوا طرفاً غير مباشر في القصة، لأن نبيل العربي، أمين عام جامعة الدول العربية السابق، كان هو الطرف المباشر مع السادات فيها.

كان الدبلوماسيون المشاركون يتهامسون فيما بينهم أن المفاوضات إذا انتهت على ما كان يجري أمامهم، فسوف تؤدي إلى سيادة منقوصة لمصر على سيناء حين تعود إلى الوطن الأم، ولكنهم لم يكونوا يعرفون كيف يمكن أن يصل هذا المعنى لديهم إلى السادات.

كان بعضهم يجد حرجاً في مواجهته بما يتهامسون به إذا خلوا إلى أنفسهم، وكان البعض الآخر يخشى من عواقب مواجهة من هذا النوع مع الرئيس، وكان البعض الثالث يبحث عن طريقة يصارح بها السادات بما تتهامس به المجموعة، ولم يكونوا في النهاية يصلون إلى طريقة تكون محل إجماع وتوافق فيما بينهم.

وفي مرة قال نبيل العربي، العضو في وفد التفاوض وقتها، إنه سيقوم بهذه المهمة، أو إنه وقع عليه اختيار زملائه ليقوم بها فرحب بذلك، وقال إنه سيبحث عن فرصة مناسبة يفاتح فيها الرئيس في الموضوع، وقد جاءت المناسبة بالفعل ووقف الرجل يقول للسادات ما يجد زملاؤه حرجاً في البوح به أمام رئيس الدولة.

واستمع السادات إلى حديث العربي بصبر وهدوء، ولم يقاطعه في شيء مما يقوله حتى انتهى من نقل ما جاء ينقله، وعندما فرغ من الرواية سأله السادات: خلّصت يا ابني كلامك؟ قال: نعم يا سيادة الرئيس.

اعتدل السادات في جلسته وجذب نَفَساً من البايب الشهير الذي كان يلازمه ثم قال: «اسمع يا ابني، أنا فلاح من محافظة المنوفية، وأتعامل مع ما يجري من المفاوضات حول الأرض بالمنطق نفسه الذي يتعامل به أي فلاح منوفي يمتلك قطعة من الأرض في زمام المحافظة».

ولما بدا أن المعنى لم يصل كله إلى نبيل العربي، جذب السادات نَفـساً آخر من البايب، ثم قال: «يا ابني الفلاح في المنوفية عندما يمتلك قطعة من الأرض، يحب دائماً أن يدق حديدة عند أول أرضه، وحديدة أخرى عند آخرها، ويريد من هذا أن يحدد نطاق ملكيته، وأن يقول للذين يدق الحديدة في المرتين أمامهم، إن هذا هو أول أرضه وإن هذا هو آخرها».

ثم أنهى كلامه مع الأمين العام السابق فقال: «وأنا يا ابني عايز أدق حديدة عند آخر حدودي في سيناء، وما بعد ذلك كله تفاصيل، لأن السيادة ستكون لي لا لطرف آخر، وستكون لي لأني صاحب الأرض، ولأني عند نهاية المفاوضات سأضع الحديدة التي يضعها كل فلاح في المنوفية عند الحد الفاصل بين أرضه وبين أرض الجار».

انصرف نبيل العربي يروي لزملائه ما سمع، ولا بد أن بعضهم صدّق ما نقله الرجل إليهم، وبعضهم بقي حائراً يبحث عن يقين في المسألة.

وأظن أن الباحثين عن اليقين قد وجدوه يوم عادت طابا إلى الوطن الأم في مارس (آذار) 1989، فيومها قالت المحكمة الدولية إن هذه هي حدود مصر على رأس خليج العقبة، وإن طابا مصرية مائة في المائة، وإن من حق المصريين أن يضعوا الحديدة إياها عند حدود طابا، بوصفها الحدود الفاصلة بين الأرض المصرية وبين أرض الجار.

كان السادات يفاوض في كامب ديفيد على أساس لا يغيب عن عينيه، وكان هذا الأساس أنه صاحب أرض في مفاوضات مع محتل، وأن ما فاته من الأرض في حرب أكتوبر 1973 سوف يسترده بالمفاوضات في كامب ديفيد.

هذا بالضبط هو المنطق الحاكم في العمق فيما يجري على أرض غزة، وفيما يمكن أن يجري في الضفة، ففي الحالتين هناك صاحب أرض في مواجهة مع محتل، ولا فرق بعد ذلك بين أن يكون العالم كله تقريباً مع المحتل، وألا يكون مع صاحب الأرض شيء ولا أحد، إلا يقينه في الله، ويقينه في عدالة قضيته، وفي أنه في الأول وفي الآخر صاحب أرض.

وعندما هتف شاب فلسطيني وهو يصف مواكب الشهداء في القطاع فقال ما معناه، إن الذين استشهدوا «نجوا من الحياة بأعجوبة» كان يقصد أن الدنيا إذا كان فيها مَنْ ينجو من الموت بأعجوبة، ففيها مَنْ ينجو من الحياة بأعجوبة أيضاً لأنه صاحب أرض، ولأنه يفضل الموت على الحياة ويذهب إليه متطوعاً، إذا كان المقام مقام دفاع عن أرضه، فالمحتل لا يفعل هذا أبداً ويظل يتعلق بأسباب الحياة، ولكن صاحب الأرض يفعل هذا وأكثر، لا لشيء، إلا لأنه ببساطة صاحب أرض.

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

قصة شارحة لطبيعة المواجهة في غزة قصة شارحة لطبيعة المواجهة في غزة



GMT 10:17 2024 الإثنين ,18 تشرين الثاني / نوفمبر

ممدوح عباس!

GMT 10:15 2024 الإثنين ,18 تشرين الثاني / نوفمبر

القديم والجديد؟!

GMT 08:33 2024 السبت ,02 تشرين الثاني / نوفمبر

فرنسا تتصالح مع نفسها في المغرب

GMT 03:37 2024 الأحد ,13 تشرين الأول / أكتوبر

حزب المحافظين البريطاني: «لليمين دُرْ»!

GMT 23:09 2024 الأحد ,06 تشرين الأول / أكتوبر

هل يمكن خلق الدولة في لبنان؟

إطلالات الأميرة رجوة الحسين تجمع بين الرقي والعصرية

عمان ـ مصر اليوم

GMT 08:58 2024 الأربعاء ,27 تشرين الثاني / نوفمبر

وجهات سياحية فخّمة تجمع بين جمال الطبيعة والرفاهية المطلقة
  مصر اليوم - وجهات سياحية فخّمة تجمع بين جمال الطبيعة والرفاهية المطلقة

GMT 08:53 2024 الأربعاء ,27 تشرين الثاني / نوفمبر

نصائح لاختيار قطع الأثاث متعددة الأغراض
  مصر اليوم - نصائح لاختيار قطع الأثاث متعددة الأغراض

GMT 06:28 2024 الخميس ,28 تشرين الثاني / نوفمبر

تناول الزبادي الطبيعي يومياً قد يقلل من خطر الإصابة بسرطان
  مصر اليوم - تناول الزبادي الطبيعي يومياً قد يقلل من خطر الإصابة بسرطان

GMT 11:22 2020 الأربعاء ,08 تموز / يوليو

يحذرك هذا اليوم من المخاطرة والمجازفة

GMT 09:15 2024 الجمعة ,15 تشرين الثاني / نوفمبر

أهم 3 نصائح لاختيار العباية في فصل الشتاء

GMT 02:22 2020 الإثنين ,09 تشرين الثاني / نوفمبر

"الزراعة" تؤكد البلاد على وشك الاكتفاء الذاتي من الدواجن

GMT 13:41 2020 الأحد ,01 تشرين الثاني / نوفمبر

فيديو جديد لـ"طفل المرور" يسخر من رجل شرطة آخر

GMT 02:57 2020 الإثنين ,06 إبريل / نيسان

رامى جمال يوجه رسالة لـ 2020

GMT 02:40 2020 السبت ,22 شباط / فبراير

المغني المصري رامي جمال يحرج زوجته على الملأ
 
Egypt-today

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

egypttoday egypttoday egypttoday egypttoday
Egypttoday Egypttoday Egypttoday
Egypttoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
Egypt, Lebanan, Lebanon