بقلم سليمان جودة
يبدو المهندس أحمد عز، متفائلاً، فى مقالته المنشورة فى «المصرى اليوم»، قبل ثلاثة أيام، ولأنه رجل اقتصاد، فهو يتحدث فيما يفهم فيه، ثم إنه يسرد خمس ملاحظات أساسية على وضعنا الاقتصادى الراهن فى مجمله، وينتهى بعدها إلى أن الوضع رغم صعوبته، لا يدعو للانزعاج الحاصل حالياً، لأننا مررنا بما هو أصعب منه، من قبل، ثم تجاوزناه!
ولأنه محب للأرقام والبيانات، ولأنه أيضاً صاحب تجربة عملية فى الأسواق، فقد حدد منذ البداية، أنه يتحدث فى المسألة الاقتصادية، بصفتين، أولاهما تجربته فى حقل الصناعة، والثانية وجوده لعشر سنوات سابقة، على رأس لجنة الخطة والموازنة فى البرلمان!
لست ضد الرجل فى تفاؤله، ولا ضد دعوته إلى التفاؤل، التى جعلها عنواناً للمقال، ولكن مشكلتى مع الأرقام والنسب التى أوردها وراح يحللها، ويبنى فوقها، أن هناك مسافة ممتدة بينها، وبين الواقع الذى يعيشه الناس، وأنك ما تكاد تنتهى من قراءتها، وتقرر أن تتفاءل فعلاً، حتى تصاب على الأرض، عند أول خطوة تخطوها فى الشارع، بما يردك إلى التشاؤم من جديد!
هو يقول إن البلد يحتمل اقتراض 30 مليار دولار جديدة، دون أى مشكلة، وإن الدول التى نتطلع إليها نحن، باعتبارها نماذج اقتصادية ناجحة، فعلت ذلك، ويشير إلى تركيا، وماليزيا، وغيرهما.. ولكن الصحيح أن ماليزيا لم تقترض، وأنها رفضت روشتة صندوق النقد، وأنها سألت الصندوق، فى أيام مهاتير عما إذا كان مسؤولوه سوف يتحملون معها العواقب السلبية لقروضه حين تقع، فكانت الإجابة بالنفى، فابتعد عنه مهاتير، وقرر أن يكون أمره فى يده، لا فى يد الصندوق!
وتقدير صاحب المقال، أن تصحيح سعر الصرف، سوف يسد نصف الفجوة الدولارية القائمة على الفور، وأنا أصدقه، ثم أسأله عما إذا كانت عواقب هذا التصحيح، وقد أشار إليها هو فى الأسعار تحديداً، سوف يتحملها الجميع فى طول المجتمع وعرضه، أم أن فئة بعينها هى التى سوف تظل تعانى، أو بمعنى أدق سوف تزداد معاناتها، دون فئة أخرى لن يمثل لها تصحيح سعر صرف الجنيه، مشكلة من أى نوع؟!
إننى أصدقه فى أن النمو هو الحل، كما قال فى آخر عبارة فى المقال، وأصدقه فى أن وصول هذا النمو إلى 7٪، لخمس سنوات أو أكثر متتالية، كفيل بتجاوز ما نحن فيه، غير أنى أسأل: هل هذا ممكن فى الظرف الحالى؟، وإذا كان ممكناً فلماذا لم نبدأ الطريق إليه؟، وإذا لم يكن ممكناً، فما هو السبب؟، ولماذا لا نتعامل مع هذا السبب بشكل مباشر؟!
أذكر مقالاً كتبه المهندس عز، فى الأهرام، فى آخر 2010، وكان فيه يحلل انتخابات البرلمان التى جرت آخر ذلك العام، بالأرقام، والبيانات، والنسب، من جهاز لاب توب كان أمامه، وحين كنت تقرأ المقال، فى حينه، كنت تشعر بأنه لا مشكلة، وأن صاحبه عنده منطق، وعنده رأى وجيه يجب أن تسمعه، فإذا بالواقع بعدها بأسابيع يفاجئ الجميع بإعصار لم يكن على الخاطر، ولا فى البال!
عزيزى المهندس عز.. أريد بصدق أن أتفاءل معك، وأصدقك فيما قلته، ولكنى ما إن أطوى الجريدة، وأنزل إلى شوارع المدينة، حتى أفاجأ مع غيرى بواقع أليم، وأحاول جاهداً وأنا أشتبك فى أحاديث يومية مع الذين يعانون هذا الواقع، أن أتفاءل، وأن أدعوهم، مثلك، إلى ذلك، غير أن معاناتهم تغلبنى، وغير أن شكاواهم التى على كل لسان تضاعف همى!