بقلم : سليمان جودة
لم أستوعب النبأ الذى أذاعته الخارجية التركية أمس الأول، وقالت فيه إن وزيرها المسؤول ينتظر مع وزير الدفاع التركى وصول وزيرى الخارجية والدفاع الروسيين، وأن لقاءً سوف يضم الوزراء الأربعة فى إسطنبول خلال ساعات!.
لم أستوعبه.. لسبب واحد هو أن الموضوع المطروح على المائدة ليس موضوعاً من الموضوعات الروسية العالقة بين البلدين، ولا هو من الموضوعات التركية المؤجلة بينهما، ولكنه.. مع كل أسف.. ملف ليبيا وفقط.. نعم الروس يجلسون مع الأتراك ليتكلموا حول ليبيا.. فأين العرب؟!.
إننى أفهم أن تكون روسيا مدعوة إلى لقاء عربى فى عاصمة عربية، يناقش الموضوع نفسه.. أفهم هذا وأستوعبه.. وأفهم على مضض أن تكون تركيا مدعوة هى الأخرى إلى اللقاء، ليس لأن القضية تخصها، ولكن لأنها دست أنفها فيها باتفاقات أمنية وعسكرية عقدتها مع حكومة فايز السراج فى العاصمة طرابلس!.
أفهم الأمر وأستوعبه إذا جرى على هذه الصورة.. ولكن أن يلتقى الوزراء الأربعة غير العرب، فى عاصمة غير عربية، للبحث فى قضية عربية لحماً ودماً، وفى غياب أى طرف عربى.. فهذا فى الحقيقة ما يبعث على الأسى!.. إن نبأً من هذا النوع لا بد أن يؤرق صانع القرار فى كل عاصمة عربية، لأن الملف السورى بدأ زمان هكذا، ولأننا صرنا على مدى سنين مضت نتابع لقاءات روسية تركية إيرانية تناقشه وتتخذ بشأنه قرارات، دون حضور أى طرف عربى!.
حدث هذا مراراً رغم أن دمشق أقرب بكثير إلى كل عاصمة عربية منها إلى طهران أو موسكو أو أنقرة، ورغم أن كل ما فى سوريا يتصف أول ما يتصف بأنه عربى غارق فى عربيته!
وحين طرحت القاهرة الأحد قبل الماضى مبادرتها للحل السياسى فى الشأن الليبى، كان الأمل ولا يزال أن تكون المبادرة هى اليد العربية الفاعلة فى موضوعها، وهى اليد الأساسية فى الشأن كله، لأن القضية فى ليبيا.. خصوصاً بعد أن دست تركيا أنفها فيها.. صارت قضية عربية تركية أكثر منها قضية مصرية تركية.. وهى صارت هكذا لأن رغبة تركيا فى تواجدها الليبى جزء من تواجدها فى قطر، وفى الصومال، وفى العراق، وفى سوريا، وجزء من مشروع تركى أشمل يريد العالم العربى بكامله ويستهدفه، ولا تتوقف مطامعه عند حدود الرغبة فى الكيد للقاهرة عن طريق ليبيا المجاورة!.
مبادرة القاهرة لا بديل عن أن تكون رهاناً فى يد كل عاصمة عربية، ولا بديل عن أن تتلقى الدعم والمساندة من كل عاصمة عربية، لأن التواجد التركى فى ليبيا هو فى حقيقته ضد العواصم العربية كلها، وليس قاهرة المعز هى العاصمة العربية الوحيدة المعنية فيه!.. إن نظرة متأملة على الخريطة تشرح هذا وتوضحه!.