بقلم : سليمان جودة
فى كل مرة أخرج من القاهرة إلى المحافظات، أو إلى خارج البلد، أكتشف أن العاصمة تتكلم فى الغالب مع نفسها، وأن إعلامها فى جزء كبير منه يتحدث مع نفسه، وأننا فى حاجة إلى بذل جهد أكبر مما هو حاصل بكثير، للوصول إلى هناك!
فأنت إذا قضيت يومين أو ثلاثة فى الأقصر، مثلاً، كما فعلت أنا، فسوف يتضح لك أننا ننتج أطناناً من الكلام فى كل صباح عن السياحة، وعن مدى حاجتنا إلى دخلها، وعن ضرورتها كصناعة لنا، وعن نصيبنا المفترض فيها بالمقارنة بنصيب دول حولنا، وعن.. وعن.. ثم لا يتحول شىء من هذا كله إلى فعل ينقذ هذه الصناعة بجد، ويعطينا نصيبنا العادل منها فى سوق السياحة العالمية!.
تحدثت مع كثيرين من أهلها فى الأقصر، على أكثر من مستوى، وتبين لى أنها تعانى، وأنهم يعانون، وفقط!.. وأن أسباب المعاناة معروفة، وأن حلولها معروفة أيضاً وممكنة.. ولكن.. لا شىء بعد ذلك!
وسألت واحداً من أهل الشأن هذا السؤال: فى تقديرك.. ما المشكلة الأكبر التى تقف فى طريق السياحة فى بلدنا؟!.. قال دون تردد إن ثقافة الناس العامة لاتزال هى العقبة الكبيرة فى هذا الطريق.. فلايزال كل مواطن يتطلع الى السائح فى أى مكان باعتباره فريسة سهلة.. ولايزال السائح كلما غادر الفندق وجد نفسه مضطراً إلى العودة إليه، تحت ضغط مطاردات لا تنتهى!.. وكلما دخل السائح إلى مكان عام.. مطعم، أو متحف، أو سوق، أو شاطئ، أو شارع.. كانت الرغبة فى خداعه، وفى الضحك عليه، وفى ابتزازه، هى أول شىء يصطدم به فى كل خطوة!
وقد وصل الأمر إلى حد أن سائحاً نزل يوماً من الفندق المقيم فيه إلى الشارع، وقد كتب لافتة على صدره تقول الآتى: لا أريد حنطوراً.. ولا تاكسياً.. ولا شراء شىء من البازار!.
هذه واقعة حصلت فى جنوب مصر، وليست نكتة!.. ولايزالون يتندرون بها.. ففى كل مرة كان المسكين يغادر باب الفندق، كان يجد أنه محاصر بمن يريد أن يجعله يركب الحنطور رغم أنفه، وبمن يلاحقه ليأخذ التاكسى إلى أى مكان، وبمن يطارده ليشترى ما لا يحب من البازارات!.
وهناك فارق طبعاً بين أن نعرض على السائح سلعة أو خدمة، وبين أن يتحول العرض من صاحب السلعة أو الخدمة إلى ملاحقة تجعله يندم على أنه اختار أن يجىء إلى بلدنا!.
وهى مسألة يستطيع كل قادم من الخارج أن يلاحظها بسهولة عند باب المطار، وربما قبل ذلك فى حمامات المطار نفسها!
إن عين كل مَنْ يستقبل السائح منذ خروجه من المطار إلى أن يرجع، إنما هى على جيبه، وليست فى اتجاه تقديم خدمة جيدة يظل يتذكرها إذا ما عاد إلى بلده، ويظل يدعو الآخرين بتأثير من مستوى الخدمة التى حصل عليها، إلى أن يجيئوا مثلما جاء هو، ليستمتعوا كما استمتع هو!.
السائح ليس عبيطاً.. ويستطيع بسهولة أن يُفرق بين ما يجده عندنا، وما يجده عند الآخرين!.
نقلا عن المصري اليوم