سليمان جودة
الذين يكتبون قصائد الشعر فى مزايا قرض صندوق النقد الدولى لنا لا يذكرون حرفاً واحداً عن عواقبه بالغة السوء فى حياة المواطن محدود الدخل، الذى يمثل الغالبية من المصريين هذه الأيام!
إنهم يقولون إن الحصول على القرض سوف يؤدى إلى تعويم الجنيه بالضرورة، ولا ينكرون أن تعويمه لا معنى له سوى خفض قيمته فى السوق، بحيث يكون سعره فى البنك، مقارناً بالدولار، هو نفس سعره خارج البنك، أو يكون الفارق بين السعرين طفيفاً.. عظيم.. ولكن ما لا يريد أصحاب هذا المنطق أن يقولوه، أو يذكروه ولو عابراً، أن سعر الجنيه لما تحرك مائة قرش، عند بدء تولى طارق عامر مسؤولية المحافظ فى البنك المركزى فى نوفمبر الماضى، قد أدى إلى ارتفاعات فى أسعار جميع السلع، لايزال المصريون يصرخون منها إلى اليوم!
جميل جداً أن يكون سعر الجنيه مقارناً بالدولار، فى البنك، هو ذاته سعره فى خارج البنك.. وجميل جداً أن يؤدى تعويم سعره إلى منح شهادات صلاحية دولية لاقتصادنا أمام المستثمرين فى أنحاء العالم.. وجميل كذلك ألا يكون هذا الفارق الهائل بين السعرين قائماً، كما هو حاصل فى الوقت الحالى.. كل هذا جميل، ونبصم على جماله بالعشرة، ولكن ما ليس جميلاً بالمرة أن ملايين من المصريين، تمثل الغالبية فيهم، سوف يدفعون ثمن التعويم فادحاً فى حياتهم، وبشكل مباشر!
يطلب الرئيس من المهندس شريف إسماعيل، فى اجتماعه به أمس، أن تكون أسعار السلع الأساسية والأدوية مناسبة للمواطنين، وأن تراعى الحكومة مواطنيها وهى تطبق روشتة الصندوق فى الإصلاح.
والحقيقة أن هذا شىء نحمده للرئيس، ونحسبه له، غير أن الحقيقة أن ما يطلبه من رئيس الحكومة مراراً فى هذا الاتجاه لا يحدث منه شىء فى الواقع، ولن يحدث، لعدة أسباب، أهمها أن ما يطلبه الرئيس ليس فى يد الحكومة، ولأن الأسعار يحددها العرض والطلب، لا الحكومة، ولو كان ذلك قد حدث عند خفض قيمة الجنيه مائة قرش كاملة، على يد طارق عامر، لجاز له أن يحدث الآن ونحن على أبواب خفض آخر، يبدو أنه سيكون فوق المائة قرش بكثير!
الذين كتبوا قصائد الغزل فى قرض الصندوق منذ جاءت بعثته إلى القاهرة، ومنذ راحت تطلب من الحكومة، ولاتزال تطلب منها، أن تفعل كذا، ولا تفعل كيت، لا يذكرون حرفاً عن الملايين الذين سوف يكتوون بالعواقب كما لم يكتووا من قبل!
لماذا لا يذكرون ذلك؟!.. لأن النائحة الثكلى، كما قيل بحق، ليست كالنائحة المستأجرة!