بقلم : سليمان جودة
فى اللحظة التى كانت فيها مصر تحتفل، الاثنين الماضى، بمرور أربع سنوات على ثورة الثلاثين من يونيو، وما تلاها من ترتيبات، أصدرت المحكمة الإدارية العليا حكماً يُلزم الدولة بتوفير معاش لكل عاطل لا يجد عملاً!
ورغم أن شيئاً لم يخرج عن الحكومة إلى الآن، عن الطريقة التى ستتعامل بها مع الحكم، فإن مضمونه يقول لنا، إننا إذا لم نكن قادرين على توفير فرصة عمل لكل متعطل، فليس أقل من معاش رمزى يحفظ عليه آدميته إلى أن يجد عملاً!
ولسنا بدعة فى هذا الطريق، ففى العالم دول كثيرة تصرف هذا المعاش، وتضع له ضوابطه، حتى لا يرتكن عليه العاطل، ويكتفى به، ويهرب من العمل!
الشىء الأهم فى الحكم أن صدوره جاء فى الثالث من يوليو، وكأن القضاء قصد أن ينبه الدولة فى أعلى مستوياتها، إلى أن هذا اليوم إذا كان قد شهد وضع خريطة طريق لنا قبل أربع سنوات، فإنه يرتب عليها التزامات إزاء مواطنيهـا، لم تكن موجودة من قبل، وليس من الممكن التملص منها الآن!
إن «الإدارية العليا» لم تُصدر حكمها من فراغ، ولم تستند على غير أساس، ولكنها استندت فيه على المادة ١٧ من الدستور التى تقول للحكومة بأوضح لغة، إن العاطل عن العمل مواطن، وإن مسؤوليتها توفير فرصة عمل له، وإن هذا العاطل له على حكومته حق أن تمنحه عملاً، فإذا عجزت هى عن ذلك، فمعاش مؤقت إلى أن تستطيع!
وفى حكم «الإدارية العليا» معنى آخر أهم، هو أننا وضعنا دستور ٢٠١٤ لنعمل به ونطبقه، شأننا شأن سائر باقى خلق الله، فى الدول التى تضع دساتيرها لتأخذ بها، دون أن تجادل فى الموضوع!
إن المواد ١٨، و١٩، و٢١، و٢٣ من الدستور- تفرض علينا ألا يقل إنفاقنا العام على التعليم قبل الجامعى، عن ٤٪ من إجمالى الناتج القومى، وألا يقل نصيب التعليم الجامعى عن ٢٪، والصحة ٣٪، والبحث العلمى ١٪، ومع ذلك فإن هذه المواد الأربع لا تزال بعيدة عن الأخذ بها، ولا يزال الأمل الذى رافق وضعها فى دستورنا الجديد، أملاً مُعلقاً فى انتظار مَنْ يجسده على الأرض أمام الناس!
الدساتير فى مثل أحوالنا لا توضع من أجل التباهى بما جاء فى نصوصها، ولا من أجل أن نلتقط معها صورة على سبيل التذكار فى المناسبات، ولكنها توضع لتغير من واقع المواطنين البائس، وهى لن تطبق نفسها، ولن تدب الحياة فى موادها من تلقاء ذاتها!
دستور ٢٠١٤ يتعامل مع المواطن فى البلد، على أساس أنه أشعل ثورتين فى سنوات ثلاث، وأن قيمته كدستور هى بعوائده.. لا بنصوصه!
المصدر : صحيفة المصري اليوم