بقلم : سليمان جودة
أحترم رغبة الرئيس السيسي فى إصلاح شركات القطاع العام، وأتابع اجتماعاته التى يدعو إليها من أجل هذا الغرض مرة بعد مرة، وأتصور أن حديثه عن ضرورة العودة بصناعة الغزل والنسيج بالذات إلى ما كانت عليه، يجب أن يكون محل عرفان وتقدير!.. أما لماذا صناعة الغزل والنسيج بالذات، فلأنها تستوعب عمالة كثيفة، ولأننا نملك ميزات تنافسية فى القطن المصرى، لا تملكها دولة فى العالم سوانا!
والفكرة بالتالى أن العودة بهذه الصناعة إلى ما كانت عليه ذات يوم تصيب هدفين فى وقت واحد.. فهى تتيح فرص عمل للشباب، وهذه قضية القضايا فى كل بيت.. وهى تعطينا الفرصة للانتقال بزراعة القطن من مربع إلى مربع آخر تماماً!.. لكنى تمنيت لو أن الذين يناقشون الملف مع رأس الدولة، قد وضعوا أمامه شيئاً من الجائز أن يغيب عنه، فى غمرة انشغاله بملفات أخرى بلا حصر!
هذا الشىء هو أن إصلاح صناعات القطاع العام.. وصناعة الغزل والنسيج فى القلب منها.. لا يكون بضخ المزيد من المال فيها، فلقد ضخخنا فيها الكثير من قبل.. ولا يكون بماكينات جديدة، وعصرية، ومتطورة، فلقد أحضرنا لها أحدث الماكينات من قبل.. ولا يكون حتى بتوسعات جديدة، فلقد توسعنا من قبل بما فيه الكفاية.. ثم وجدنا أنفسنا فى أماكننا.. ليس فى شىء من هذا أبداً يا سيادة الرئيس، لأننا فعلنا هذا كله فى عصور سابقة، ثم لم نصل إلى النتيجة التى ترجوها!
إن جميع شركات القطاع العام تظل فى حاجة إلى تغيير جذرى فى شيئين لا ثالث لهما: نظام الملكية بحيث ينتقل من الدولة إلى المصريين من خلال أسهم، يستطيع أصحابها عقد جمعية عمومية، وتغيير الإدارة، إذا عجزت فى مدى زمنى محدد، عن نقل الشركة من تحقيق الخسارة إلى جنى الأرباح!
والشىء الثانى هو تغيير الإدارة بإسنادها إلى القطاع الخاص، وعند ذلك، سوف يكون لكل جنيه فى الشركة صاحب يحرص عليه، ويعمل على تحويله من جنيه واحد إلى جنيهين، ومن اثنين إلى ثلاثة، وصولاً إلى عشرة جنيهات!
هذا يا سيادة الرئيس هو بالضبط ما قامت به مارجريت تاتشر فى بريطانيا، فلم تتردد فى تمليك قطاعها العام للبريطانيين، ليكونوا هُم الحُراس عليه.. وهذا هو ما يقول به العقل، ويشير به المنطق السليم، وتنطق به ملامح العصر وحقائقه، منذ انهيار الاتحاد السوفيتى عام ١٩٩١، ومنذ انهيار سور برلين وقيام ألمانيا الموحدة، قبل انهيار الاتحاد بعامين!.. فالقطاع العام، بصورته التى لاتزال قائمة عندنا، لم يسعف ألمانيا الشرقية فى شىء، فأغلقت صفحته إلى الأبد والتحقت بألمانيا الغربية.. ومنهما قامت ألمانيا العملاقة التى نراها فى هذه الساعة!
إغلاق الصفحة بهذه الطريقة يرفع عن كاهل البلاد عبئاً ثقيلاً، ويتكفل بنقلها من خانة إلى خانة ليست ككل الخانات!